آخر تحديث :الأحد-21 سبتمبر 2025-02:03ص

وادي الحسوة العظيم وكارثة تبتلع الناس ومساكنهم

الأحد - 24 أغسطس 2025 - الساعة 09:03 م
د. عادل النمري

بقلم: د. عادل النمري
- ارشيف الكاتب


لم يكن يوم السبت، الثالث والعشرين من أغسطس، 2025م، يومًا عاديًا في الحسوة وبئر أحمد، مديرية البريقة، عدن.

كان النهار قد بدأ بهدوء، والأطفال يركضون في الأزقة، والنساء يتهيأن لشؤون بيوتهن، بينما رجال كثيرون غابوا في أسفار بعيدة، تاركين خلفهم أسرًا مطمئنة تحت سقوف ظنوها آمنة.


لكن تلك السقوف، وتلك الجدران التي بُنيت في قلب الوادي العظيم، لم تكن إلا انتظارًا لكارثة مكتوبة.

ذلك الوادي الذي يعرفه الأجداد، الذي تأتيه المياه من مرتفعات القبيطة والمقاطرة، المندفعة عبر وادي عويدين الذي يلتقي بوادي تبن، فيشكل الاثنان نقطة التقاء تجعل من السيل سيلاً جارفًا لا يرحم حتى يصب على ساحل الحسوة في بحر العرب…

لم يكن السيل بحاجة إلى لافتة تحذيرية، فهو بحد ذاته شهادة ناطقة، وذاكرة لا تخون: هذا مجرى السيل. وقد عرف بالوادي العظيم وبعضهم يقول الوادي الأعظم دلالة على عظمة ذلك الوادي وقوته التي لا تقهر.


غير أن الجشع، وجنون تجارة الأراضي، وصمت السلطات، دفعت الناس إلى نسيان الحقائق الكبرى. تحولت أرض الخطر إلى (أرض أحلام)، وتبدد صوت الحكمة أمام صوت المال.


وفي لحظة خاطفة… تبددت الأحلام.

ارتفع هدير السيل الذي وثب مثل وحشٍ جائع، اجتاح المساكن كأنها أوراق يابسة، وابتلع الطرقات في زوبعة من الطين والماء.

صرخات نساء علِقن في بيوتهن، أطفال تشبثوا بأثاث يتهاوى، شيوخ عاجزون تلاشت قوتهم، وأسر فُقد أثرها حتى اللحظة.


بعض البيوت صارت قبورًا لأصحابها، وبعضها غادرها أهلها بجلودهم فقط.

مدارس تحولت إلى ملاجئ، مساجد استقبلت الهاربين، بيوت الأقارب ازدحمت بالمنكوبين.

مناظر لم يرها الناس إلا في الكوابيس، فإذا بها واقعهم المرير.


جاري القديم، الذي كان يتباهى ببيته الجديد، يقف الآن في بيت أخيه يعض أصابع الندم، يردد:

لو سمعت كلام أخي حين قال: يا أخي هذا وادٍ لا يُؤمَن جانبه...

أما جاري الآخر، المسكين الذي يمشي على عكاز، فقد فقد بيته وسيارته في لحظة، وبقي متكئًا على عكازه وحسرته.

نساء جلسن مذهولات لا يفقهن شيئًا، ينظرن إلى الخراب وكأنهن في حلم طويل لا يريد أن ينتهي.


السلطات؟ غائبة إلا من كلماتٍ لا تسمن ولا تغني من جوع.

أما السيل فقد قال كلمته، وأغلق الكتاب على صفحةٍ موجعة من حكاية الطمع والإهمال، الذي يتحمل مسؤوليته السلطات الغائية والتجار الجشعون، والملاك الذين يدعون ملكية الأرض ليبيعوا للناس الهلاك، ثم يأتي الغباء المركب عند هؤلاء الذين يشترون هلاكهم وهلاك أهليهم بأيديهم.


كتب السيل رسالته، وإنها رسالة لا تُكتب بالحبر، بل بالدمع والتراب:

- أن لا تُبنى البيوت في بطون الأودية.

- أن المال لا يحمي من قدر الله.

- أن غياب الدولة لا يبرر غياب الوعي.


لقد أرسل الوادي العظيم إنذاره، ليبقى درسًا للأجيال:

لا تركنوا إلى ما يخالف سنن الله في الكون، فإن الماء إذا جاء لا يرحم، ولا يفرق بين غني وفقير، ولا بين قصر مسؤول، وبيت أحلام وكوخٍ صغير.


الأحد 24 08 2025م

✍🏼: