✍️ الصحفي / مصطفى القطيبي
يوافق يوم غداً الأحد الذكرى الثالثة والأربعين لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، الحزب الكبير الذي مثل لعقودٍ من الزمن ركيزة أساسية في الحياة السياسية اليمنية، وصمام أمان للدولة والجمهورية، ومنبراً للتعددية والشراكة الوطنية. لقد كان المؤتمر مدرسة سياسية خرجت قيادات ورجال دولة أسهموا في بناء اليمن الحديث، ورسموا معالم تجربته الديمقراطية.
غير أن الحزب اليوم، وفي ظل الظروف العصيبة التي يمر بها الوطن، يعيش حالة انقسام مؤلمة بين قياداته. جزءٌ من القيادات في صنعاء وبقية مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية، يُمارس عليهم الإكراه والضغط، ويُجبرون على إصدار بيانات تمجّد المليشيا أو المشاركة في فعالياتها، وهو أمر لا يليق بتاريخ الحزب الجمهوري العريق ولا بنضالات قياداته ورجاله عبر العقود.
وفي المقابل، هناك قيادات مؤتمرية خارج الوطن تناضل ضد المليشيا الحوثية، وتتمسك بخيار استعادة الدولة والجمهورية، وتريد الثأر لكل دماء شهداء المؤتمر وعلى رأسهم الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح مؤسس الحزب، والشهيد الأمين العام عارف الزوكا. إلا أنّ هذه القيادات – رغم وضوح موقفها – تعاني من تباينات واختلافات في الرؤى، ولم تتفق على قيادة واحدة للحزب تنهي حالة الشتات التي يعاني منها المؤتمر، الأمر الذي أضعف من قوة تأثيرها وأخّر دورها المنتظر في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ اليمن.
إن الوفاء لتاريخ المؤتمر ودماء شهدائه، واحتراماً لتضحيات قياداته ورجاله، يستدعي اليوم أن يعلو صوت الحكمة والعقل داخل الحزب، وأن تتوحّد كل القيادات في الداخل والخارج تحت قيادة واحدة، قادرة على استعادة مكانة المؤتمر كحزب وطني جامع، لا كيان ممزق.
كما أن من الضروري، حفاظاً على الموقف الجمهوري الأصيل، أن يجمّد الحزب نشاطه في مناطق سيطرة الحوثي، وأن تعلن القيادات في الداخل ذلك بوضوح بعد ما حدث ويحدث لقيادات الحزب في تلك المناطق، طالما أنهم لا يستطيعون ممارسة العمل الحزبي بحرية وهم تحت الإكراه. فلا يصح أن تُستغل هذه القيادات لتمجيد الحوثي ومليشياته والتغني بأفعاله المشينة باسم المؤتمر في ظل هذه الأوضاع المهينة، التي لا تعبر عن إرادة قواعد الحزب ولا عن مبادئه.
إنّ اليمن اليوم بحاجة إلى صوت المؤتمر القوي والموحّد، كما كان دائماً: صوتاً جمهورياً أصيلاً، ومنبراً للوسطية والاعتدال، وجسراً بين مختلف المكونات الوطنية. وإنّ التاريخ لن يرحم القيادات إن فرّطت في هذا الدور، ولن تغفر لها الأجيال القادمة إن تركت الحزب يتلاشى بين ضغوط الحوثي وخلافات الخارج.
وفي ذكرى تأسيس المؤتمر، نوجّه نداءً صادقاً لكل قياداته وقواعده:
توحّدوا، واجعلوا من ذكراكم محطة للمراجعة والاتحاد، لا للانقسام. واجعلوا من إرثكم السياسي الكبير جسراً لاستعادة الجمهورية والدولة، لا مطية لمليشيا انقلابية تستغل تاريخكم لمآربها.
فالمؤتمر الشعبي العام، بتاريخ 43 عاماً، أكبر من أن يُكسر، وأقوى من أن يُستغل، وأعرق من أن يُختطف.