آخر تحديث :الجمعة-26 ديسمبر 2025-03:52م
أدب وثقافة

يوميات سجين (قصة )

الجمعة - 26 ديسمبر 2025 - 02:29 م بتوقيت عدن
يوميات سجين (قصة )
بقلم / عصام مريسي

الزنزانة. .... الثالثة

بخطوات مثقلة يتنقل الستيني في أروقة السجن الضيقة وبصره بنظرات خاطفة يرقب كل مايدور في ثنايا الأروقة يرسل نظرة نحو فتحات الغرف الضيقة المنثورة على جوانب المكان ويطلق لأدنيه العنان كي تلتقط الهمسات التي يترجمها عقله إلى صور ومشاهد تستطلع المكان. مازال يتابع السير خلف الحارس المأمور باقتياده حتى توقف الحارس أمام إحدى الغرف المتناثرة في نواحي السجن يتوقف خلفه الستيني بأنفاس متصاعدة يرفع كفه اليمنى يمسح قطرات العرق المتدفقة من رأسه نحو جبينه النحوت عليه تجاعيد السنين الستون وأهوالها التي مر بها قبل أن تسقط نحو عينيه يلتقطها بكشيدته ( شاله)ةثم بحركة عفوية يعيد لف شاله البني حول رأسه وبأصابعه العشر يعيد وضعية العمامة إلى وضعها السابق .

ممثل النيابة المتوتر مازال واقفا بالقرب من بوابة السجن يرقب الموقف بعينين ساخرة ونظرات المنتقم الزاهي بتحقيق مٱربه بالنيل من الشيخ الستيني.

من خلف البوابة المواربة للغرفة الضيقة يتقدم الضابط بنصف هندامه العسكري قائلا :

ما الخطب يا عسكري

بإجابة خاطفة يجيب العسكري:

ممثل النيابة أحضرسجين جديد

الضابط مستنكرا الأمر :

لماذا لم يحضر مع سيارة ترحيل المساجين

العسكري مبلغ رسالة ممثل النيابة المتوتر وبنبرات مستنكرة فعل ممثل النيابة:

يبدو أن المتهم عزيز عليه ويريد زيادة التوصية عليه

يباشر الضابط الإجراءات لوضع السجين في الزنزانة يجلس خلف أحد المكاتب المزدحم بها المكان وبسرعة يلقي بعض الأسئلة:

اسمك وعنوانك؟

تتحشرج الكلمات وتغص بالعبرات وترتفع نبضات قلبه وتتشابك الحروف قبل أن يتلفظ بها واضعا عينيه صوب ارضية المكان المتناثر عليها بعض الأوراق وفضلات الطعام وقبل أن تنطلق الكلمات يتقدم نحو الغرفة أحد العساكر صارخا:

ايها الضابط هناك أحد المساجين فاقد للوعي

بغير مبالاة يجيب ضابط نوبة السجن:

هذه حركات بعض المساجين للخروج من الزنزانة

ثم يلتفت نحو الستيني:

اسمك ؟ الم تسمع؟

المتهم يرفع إحدى كفيه يمسح العرق المتصبب على جبينه وبانفاس مخنوقة يعرف عن نفسه.

يتصاعد صراخ المساجين من خلف شباك الزنوانة :

افتحوا الباب

وصوت أخر:

السجين م.م يموت

ومن مؤخرة حشد المساجين ينطلق صوت متهجم على وضع السجناء:

بسبب إهمالكم يكوت كثير من السجناء

وصوت أخر صارخ:

افتحوا البوابة لإنقاذ السجين المريض قبل فوات الأوان

يصدر الضابط أوامره بعد أن أصابه دعر من حالة الهيجان التي ارتفعت في السجن ووقف كل المساجين من خلف بوابات الزنزانات في صراخ مطالبين بإسعاف المريض قائلا:

سنتواصل مع النيابة لإصدار أمر إخراج السجين المريض:

ترتفع الأصوات مجددا مطالبة بإسعاف المريض:

لن تأتي موافقة النيابة إلا بعد أن يكون المريض في عالم الأموات

ترتفع صرخات المساجين وتهتز بوابة الزنزانات على وقع ركلات اقدام فيتردد صدى غضبهم في اروقة السجن الضيقة حتى تتصاعد الفوضى العارمة التي خيمت لتصل إلى مسامع رئيس السجن في الطابق العلوي من المبنى ينهض من مكانه مسرعا متخطيا السلم الرخامي المهترئ حتى كادت قدميه أن تتعثر وصولا إلى موقع الصراخ والفوضى وهو يصرخ بصوت جهوري متحشرج ومنفعل:

ما كل هذه الفوضى أيها الضابط

الضابط محاولا تفادي غضب القائد حتى لا ينهال هليه بكلمات جارحة أمام العسكر والمساجين ملتفتا إلى المتهم الستيني قائلا لأحد الجنود:

الم أقل لك تقتاد المتهم إلى النزنزانة (٣)

يكرر الصراخ:

هيا أيها الجندي نفذ الأوامر .. هيا لا تتباطئ

يستدير الضابط نحو رئيس السجن مؤديا للتحية العسكرية:

لا تقلق يا سيدي سيعود الوضع إلى ما كان عليه

يصدر الضابط الاوامر إلى العساكر بإقتياد بعض المساجين إلى الزنزانات الإنفرادية:

خذوا المشاغبين إلى السجن الإنفرادي واعملوا اللازم معهم

يقتاد الجندي المأمور بوضع المتهم الستيني في إحدى الزنزانات تفتح بوابة الزنزانة يتقدم المتهم بخطوات مثقلة نحو الزنزانة وقبل أن يدخل يلتفت إلى الخلف وكأنه يودع الحرية قبل أن يقع في أحضان أسر جدران الزنزانات الباردة المظلمة.

عصام مريسي