آخر تحديث :الخميس-14 أغسطس 2025-06:13م

التعصّب السياسي مزّق اليمن شماله وجنوبه

الثلاثاء - 12 أغسطس 2025 - الساعة 11:27 ص
مدين محسن

بقلم: مدين محسن
- ارشيف الكاتب



من المعلوم تاريخيًا أن التشدد في الانتماء، سواء في السياسة أو في أي أحزاب أو مكونات خارج إطار الدولة العميقة المعترف بها دوليًا، يُعدّ انتماءً غير شرعي، ولا يحمل أي مشروعية، حتى وإن كان له حلفاء؛ فغالبًا لا يحملون مشاريع وطنية حقيقية. ولهذا فإن نتائج هذه الانتماءات لا تكون سوى الدمار والهزيمة والسقوط.

ووفقًا للدراسات التاريخية المعمقة، فإن كثيرًا من الصراعات عبر التاريخ كان سببها الأول التنافس على السلطة، وهذا التنافس اتخذ أشكالًا غير قانونية وغير شرعية، ما أدى إلى دمار البلدان، والتضحية بالكثير من أبناء الشعوب الذين لا يفقهون في السياسة، ولا يدركون ما يدور حولهم. كما هو حاصل اليوم في وطننا الجريح، الذي مزقته أيادي أعداء الإسلام، والأفكار الرجعية التي لا تؤمن بالآخر، وتحمل في طياتها العداء والكراهية.

وقد أثبتت الدراسات العلمية أن أسباب هذه الأزمات عديدة ولا حصر لها، وتشمل عوامل نفسية، واجتماعية، وسياسية، وأخلاقية. لكن السبب الأهم هو "الأمية والافتقار إلى التعليم"، مما يؤدي إلى انعدام التسامح مع الآخر. كما أن التنشئة الاجتماعية قد تغرس قيم التعصب والتحيّز، إلى جانب دور الإعلام الذي يفتقر إلى المصداقية، والنزاهة، والضمير، والوازع الديني والإنساني، وقد انتهك شرف الرسالة الإعلامية، وأصبح إعلامًا مأجورًا، كما هو حاصل في وطننا، حيث يعيش الناس في أيديولوجيات العداء والارتزاق.

إنها ثقافة خطيرة، قد تجعل أجيالًا تتوارث الحقد والكراهية والتعصّب بكل أشكاله، حتى في الدين الإسلامي. لكنّ أخطر أنواع التعصب هو "التشدد السياسي"، لأنه يُنتج الحروب الأهلية، ويُسفك في ظلّه دماء الأبرياء، وتتناثر أشلاء الأطفال، ويُروّع الآمنون، وتفقد البلاد الأمن والاستقرار، وتتحول إلى ساحة صراع يكون ضحيتها الشعب "الغبي" - على حد وصف الواقع - الذي تجرد من الوعي والفكر الراسخ، وصار تابعًا لمشاريع أجهضت الوطن أرضًا وإنسانًا.

ونتساءل هنا: على مدار التاريخ، هل جنت الأحزاب والمكونات المتعصبة والمتشددة، التي تمارس القمع وتكميم الأفواه وترفض حرية الرأي والتعبير، أي نصر حقيقي؟ بل كانت دومًا تجني الفشل الذريع، والسقوط المدوي، ناهيك عن الحروب الأهلية والصراعات الداخلية.

أما الشعوب المتعصبة سياسيًا، فهي أشد فشلًا، لأن الصراع السياسي بين الكبار، مهما طال، سينتهي غالبًا بتسويات واتفاقات، ويعقدون صفحات جديدة كما لو أنهم "تجار" بهذا الشعب، الذي أصبح أضحوكة لتلك القيادات ورؤساء المكونات، الذين استخدموه كأداة لقمع الحريات، أو قمع المعارضين، أو لتأييدهم وكسب الشعبية الزائفة.

ويُظهر لنا الواقع أن الكراهية والحقد المقيت بين أبناء الشعب لا تثمر حبًا ولا نصرًا ولا وحدة، بل تؤدي إلى استمرار الصراعات على مدى التاريخ، كما هو حاصل في مجتمعاتنا اليمنية شمالًا وجنوبًا. لقد بلغ الحقد حد الانتقام والتصفيات الجسدية، وزُجّ بكثير من الأبرياء في السجون دون عرضهم على القضاء، أو إيجاد أي حلول، وكل ذلك نتيجة التعصّب السياسي، والعنصرية، والمناطقيّة التي ترسّخت في عقول بعض الجهّال الذين نشأوا على الكراهية، وبنفوس عدائية تحمل نزعات إجرامية.

لقد خُلقت البشرية على الفطرة، لكنها اكتسبت ثقافة خطيرة أدت إلى حروب وصراعات لا حصر لها، رغم أن الشريعة الإسلامية السمحاء بُنيت على الرحمة، والمودة، والمحبة، والتراحم بين الناس، ونهت عن الفحشاء، والمنكر، والظلم، والقسوة. كما حثّ الإسلام أتباعه على الرحمة، كعلاج لظاهرة الفتن والإرهاب التي صُنعت بأيدٍ عدائية، ومُنِهَجَت على سفك الدماء والتفرقة.

لكنّ الواقع أثبت أن كثيرًا من هؤلاء لا يحملون من الإسلام إلا اسمه، والأجدر بهم أن يتحرروا من العبودية للتقديس والولاء الأعمى، الذي لا يخدم الإسلام ولا الشريعة بأي شكل.

وللحديث بقية...

وتعظيم سلام لكل من عرف الحق ونبذ الباطل.