في صباح كئيب من صباحات الوطن، ودعت الساحة الأكاديمية والعلمية في اليمن أحد أعمدتها البارزين، وأحد رجالات العلم الذين نقشوا أسماءهم في سجل التميز والابتكار بحروف من نور، إنه الفقيد الدكتور وائل مصطفى شكري الصبيحي، أستاذ الفسيولوجيا ونائب رئيس جامعة لحج لشؤون الطلاب، الذي غاب جسده، لكن إرثه العلمي سيظل حيا لا يشيخ، وسيرته ستبقى نبراسا تستضيء بها أجيال قادمة.
إنه لمن المؤلم حقا، أن ترحل العقول النيرة في خضم حاجة الوطن إلى من يضيئون دروبه بالعلم والمعرفة.
فالدكتور وائل شكري ،كان عقلًا بحثيا متوهجا، ومنارة علمية لا تعرف الجمود، رجل جمعت سيرته بين التبحر في التخصص، والإنجاز في البحث، والإخلاص في المهام الإدارية والطلابية.
حاصل على درجة الدكتوراه في علم وظائف الأعضاء (فسيولوجيا الحيوان) من جامعة دمشق عام 2012م، حيث قدم أطروحة بحثية نوعية تناولت التأثيرات الفيزيولوجية لأوراق نبات Cissus rotundifolia، المعروف محليا بـ"الحلص"، على التغيرات المرضية الناتجة عن داء السكري، مقدما بذلك إسهاما علميا يوظف النبتة المحلية في علاج أحد أكثر الأمراض المزمنة انتشارا.
ولم يكن هذا البحث سوى امتدادا لمسار علمي بدأه مبكرا، فقد نال درجة الماجستير من جامعة عدن عام 2005م، من خلال دراسة علمية رصينة تناولت التأثير العلاجي والوقائي لمستخلصات نبات Acacia Nilotica في معالجة القرح المعدية لدى الأرانب، مما يعكس اهتمامه العميق بتوظيف البيئة النباتية المحلية لخدمة الطب البيولوجي.
أما بداياته العلمية، فقد انطلقت من كلية العلوم في جامعة تعز، حيث حصل على درجة البكالوريوس في علوم الحياة أواخر تسعينيات القرن الماضي، ليستمر بعدها في رحلة علمية أكاديمية لم تعرف التوقف، بل كانت في تصاعد مستمر نحو البحث والاختراع.
ولعل أبرز إنجازاته، تلك البراءة التي نالها لاختراعه مكملًا غذائيا نباتيا مضادا لمرض السكري، وهو الابتكار الذي نال عنه الميدالية الذهبية في معرض الإبداع والاختراع الوطني بجامعة عدن عام 2018م، في مجال الطب والصيدلة، ليثبت مرة أخرى أن الإبداع لا تحده الجغرافيا، ولا تعيقه الظروف، إذا ما اقترن العلم بالإرادة، والمعرفة بالشغف.
في رحيله، تخسر جامعة لحج نائب رئيسها لشؤون الطلاب، وتفقد الأوساط الأكاديمية أحد رموزها، لكن خسارتنا الحقيقية هي فقدان عقل مبدع، وإنسان نذر حياته للعلم وخدمة طلابه، رجل لم يكن يطمح إلى المجد الشخصي، بل إلى أن يرى وطنه ناهضا بسواعد العلم.
وإذا كانت المناصب تعرف الرجال أحيانا، فإن الدكتور وائل شكري تجاوز ذلك، فكان في كل موقع يشغله، حاضرا بروحه وأخلاقه وعلمه، فاعلًا لا متفرجا، ومبادرا لا منتظرا.
رحل الدكتور وائل شكري، لكن فكره سيبقى، وأبحاثه ستظل مرجعا، واختراعه أملًا، وسيرته نبراسا لكل طالب علم يسير على خطى العظماء.
فلترقد بسلام يا وائل... يا من تركت لنا إرثا لا يندثر، وذكرى لا تنسى.
إنا لله وإنا إليه راجعون.