آخر تحديث :الإثنين-18 أغسطس 2025-03:14ص

قادةٌ خذلوا الجنوبَ.

الجمعة - 01 أغسطس 2025 - الساعة 04:14 م
أبو الحسنين محسن معيض

بقلم: أبو الحسنين محسن معيض
- ارشيف الكاتب


منذ استقلاله ذاقَ الجنوبُ علقمَ الخُذلان من قادته. وهو من كانت له عند تحرره مكانةً راقيةً سياحيا واقتصاديا وتجاريا. وبدلا من السمو به أكثرَ فأكثرَ انحدر به الرفاقُ من العلو إلى السقوط، ومن الصِلَةِ إلى العُزلَةِ. فكان الخذلانُ الأولُ حين استحدثوا بعد الإطاحة بقحطانَ (رحمه اللهُ) خطواتٍ وقراراتٍ غريبةً، تأميمَ الملكية وطردَ الشركات العالمية، قتلَ الوجهاءِ والعلماءِ والتجار وأعلامٍ مهنية، تدشينَ مجمعِ الفتيات، الولاءَ للإتحادِ السوفيتي ونظريتِهِ النشاز، وغيرها من بذور أَثْلٍ وسِدْرٍ لا يحرثها عاقلٌ في طينه النقي. وكرروا الخذلانَ حين تخلى الروسُ عنهم بعد 86م. وكان عليهم حينها لملمةُ الورقِ ورصُ الصفِ، والجلوسُ معا في حوار جادٍ نحو اختيارِ طريقٍ سوي للوطنِ وحياةٍ أرقى للشعبِ، ولكن بدلا من المراجعة اختاروا المدافعةَ وبدلا من التوافقِ فضلوا التراشقَ. ونحو وحدةٍ اندماجية ذهب (البِيضُ) حيث لا قوةَ تدعمه ولا حليفَ ينفعه. والخذلانُ الثاني كان بعد 94م حين تمكنَ صالحٌ (رحمه اللهُ) من بسطِ نفوذِه جنوبا. يومها كان لا يُعصى له أمرٌ ولا يُرَدُ له قرارٌ، قادرا أن يؤسسَ دولةَ نظامٍ وعدلٍ وقانون، وأن يبنيَ مجتمعَ تراحمٍ وإخاء، وأن يُعَمِرَ جنوبا يسوده السلامُ والبناءُ. لكنه بدلا من ذلك جعل الجنوبَ غنيمةَ حربٍ، قَسَّمَ جغرافيتَهُ مربعاتٍ بين هذا الشيخِ وذاك المُتَشيخ، ووزعَ منابعَ اقتصادِه أنفالا بين هذه العائلة وتلك الأسرةِ، ومنحَ مراكزَ الدولةِ للقريبِ منه وللموالي له، ونسيَ ما كان يدعو إليه من طَيِّبِ الأقوالِ وما يدعيه من خَيرِ الأفعالِ. وبلغَ "ما أُريكم إلا ما أرى"، ولنا الحُكمُ سرمديا وأنتم أتباعُنا أبديا. فأضاع على نفسِهِ شرفَ نسجِ اسمه بأحرفٍ من ذهبٍ وضياءٍ في سِفْرِ العظماءِ. والثالث في ثورة الشبابِ حيث تمكن الإصلاحُ -لا سواه- من شَلِّ حركةِ البلاد. وخاصةً بعد انضمامِ علي محسن للثورة. يومها توافدَ للمخيم جمعٌ ممَن كانوا يتراوحون بينَ البين. في تلك اللحظةِ وما بعدها كان الإصلاحُ قادرا على السيطرةِ على الحُكمِ، وكان يُنتَظَرُ منه الكثيرُ من الدعمِ لقضية الجنوبِ ومطالبِ أهلِه العادلةِ. لاسيما وهو قد حَظِىَ أيامَها بدعمٍ شعبي مؤثر. فالقبائلُ في شبوةَ -مثلا- توافدت تدعمه بالغذاء والموقفِ، والإعلامُ قد انحازَ له، والقوةُ قد مالت نحوه بانضمام الفرقةِ إليه. لكن لم يكن لدى قادتِهِ الإقدامُ لخوضِ تلك الخطوةِ الحاسمةِ. فذهبوا عبثا وراءَ مبادرةٍ خليجية ماكرةٍ وحواراتٍ وطنيةٍ غادرة. اصطفاهم اللهُ وأراد لهم التمكينَ "ادخلوا عليهم الباب" ففضلوا التأخرَ على التقدمِ، والتَيهَ على الحُكْمِ. وكانت الحُجَّةُ صونَ المكتسباتِ وحفظَ الأنفسِ. وبَيَّنَ الغَدُ وهنَهَا. فقد استُبيحَتِ الديارُ، وتشتت الجمعُ بين ثكنةٍ تقنصُ الصدرَ وجبهةٍ تطعنُ الظَهْرَ. وما كان لذلك أن يكونَ لولا الترددُ في مواجهةِ "قوما جبارين" والتواكلُ "إنا ها هنا قاعدون". وما يثيرُ العجبَ اليومَ أنَّ شعبَ الجنوبِ وهو يئنُ ألما وقهرا ويستجدي أمنا وخيرا مازال يقف مستكينا لجلاده، ممسكا بذيلِ قاهرِهِ، مصفقا بحماسةٍ لِمَن ظلمَهُ وباعه، ومواليا بإخلاصٍ لمَن خانَهُ وأهانَهُ. من يدري! لعله قد جَبِلَ على ذلك، ويرغبُ به ويهواه.

ابو الحسنين محسن معيض