آخر تحديث :الثلاثاء-05 أغسطس 2025-01:41م

الانتقالي واستعادة الثقة: لحظة مواجهة الذات

الخميس - 31 يوليو 2025 - الساعة 01:15 م
أ.د مهدي دبان

بقلم: أ.د مهدي دبان
- ارشيف الكاتب


ولد المجلس الانتقالي الجنوبي في لحظة فارقة، خرج من رحم معاناة الجنوب بعد اجتياحها للمرة الثانية، وبرز كصوت شعبي عارم رافض للبقاء ضمن دولة واحدة فقدت معناها في وجدان الجنوبيين. كانت نشأته انعكاسا حتميا لإفرازات الواقع المأزوم، وحالة من الإصرار الشعبي على استعادة الهوية والكرامة. غير أن ميلاده اللحظي والمستعجل أدى إلى تسلل الانتهازيين، فركب البعض الموجة سريعا بدافع الغنيمة، بينما اتخذه آخرون ستارا للاستحواذ والتصرفات اللامسؤولة، مستفيدين من فوضوية المرحلة. وهناك من حاول جر التشكيل إلى المناطقية، ما أضر بروحه الجامعة وأهدافه الكبرى.


لكن الإنصاف يقتضي القول إن المجلس لم يكن حكرا على هؤلاء، فبين جنباته وقياداته رجال شرفاء آمنوا بالقضية الجنوبية بحق، ووهبوا لها أعمارهم وأرواحهم. ومع ذلك، ومع مرور الوقت، فقد المجلس الكثير من وهجه، وتآكلت شعبيته بفعل تراكمات الواقع المرير، خاصة بعد مشاركته في الحكومة التي لم تجلب للناس سوى مزيد من الانهيار الاقتصادي وتردي الخدمات. فارتفعت الأسعار، وانهارت العملة، وضاق الناس ذرعا بالأمل المؤجل، فبدأت الشكوك تتسلل إلى القلوب، وتكاثرت الأسئلة الصعبة: أين ذهب الحلم؟ ومن خطف الأمل؟


اليوم، تبدو الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى للمراجعة، للمكاشفة، ولتصحيح المسار. آن الأوان لتنظيف البيت من كل من أساء، ولإعادة ترتيب الصفوف برؤية وطنية خالصة تنحاز للناس لا للمكاسب والانفتاح على كل من يحمل ذات الهدف ولو اختلفت الرؤى. كما أن ثقة الشارع يمكن استعادتها إن صدقت النوايا، وإن تحرك الانتقالي بقلب مسؤول، وروح صادقة، وجرأة في مواجهة من شوهوا وجه القضية ووقف عائق أمام تحسن الخدمات العامة. فإن لم يتحرك الآن، فمتى؟ وإن لم يسمع صوت الناس اليوم، فمتى سيسمع؟