سؤال يتردّد في أزقة السويداء، بين أنين الجرحى وصدى أصوات الرصاص، في العيون التي لم تعد تبكي لأنها تعبت، وفي قلوب السوريين الذين أنهكتهم الحرب حتى صاروا لا يعرفون من القاتل ومن القتيل.
ما قيمة السيطرة على السويداء؟
سياسياً؟ ربما تسجّل انتصاراً في دفترٍ لم تعد له قيمة. تُريد أن تُري العالم أنك ما زلتَ قوياً، أن الجسد السوري الذي تمزّق لم يخرج عن قبضتك، وأن صوتك لا يزال أعلى من صراخ المدن المحاصرة. لكن، لمن تُرسل هذه الرسائل؟ للعالم؟ أم لنفسك التي لم تعد تصدّق شعاراتها؟
هل السويداء كانت هي البداية فقط؟
خطة تمتد شرقاً، إلى ما وراء الفرات، إلى منطقة الأكراد. ولكن أيّ خطة تلك التي تُبنى على الدم؟ هل حقاً تظن أن دخولك إلى الشرق سيكون نزهة؟ هناك، أكثر من 70 ألف مسلح بأحدث الأسلحة، وهناك شعب رغم تناقضاته الداخلية يعرف ماذا يعني أن يعيش تحت التهديد.
وهنا لا أتحدث دفاعاً عن الأكراد. فلديّ، كما لدى كثيرين، ملاحظات على بنية تفكيرهم العسكري والسياسي. لكن هل الخطأ يُصحح بمجزرة؟ هل الجواب على خلل فكري هو الاجتياح والدم؟
السويداء نفسها، لم تكن سهلة كما توقّعت. ظننتَ أنها ستُطوى في أيام، فإذا بها تُظهر أن الكبرياء قد يسكن الجبال كما يسكن المدن. وإذا بالمشاهد تُظهر فظائع من الطرفين، لا يمكن لأي ضمير حي أن يقبل بها.
والسؤال الذي لا مفرّ منه هو: لماذا؟
لماذا نُعيد إنتاج الكراهية في كل جولة؟
إن لم نتخلّص من عنصر الطائفية في تفكيرنا، في لغتنا، في إعلامنا، فلن تقوم لسوريا قائمة. الطائفية ليست رأياً سياسياً، إنها سمّ بطيء يقتل الثقة، ويفتح جراحاً لن تندمل بسهولة.
كيف سيعيش الدرزي معك بعد ما حدث؟
كيف سيشعر بالأمان وهو يرى مدينته تُقصف، ويُقتل شبابها على الطرقات؟
كيف سيصافحك ابن الساحل الشرقي؟ وهو الضحية الأولى في هذا الإنتهاك؟
سوريا لن تُحكم بالقوة. سوريا لا تعود كما كانت إلا إذا قررنا جميعاً أن نكون بشراً أولاً، لا طوائف، ولا مليشيات، ولا جيوش ظلّ.
وهذه رسالة للرئيس الشرع وقواته إذا كان الحل في المجازر، فاعلم أنك تزرع الكراهية لعشرات السنين القادمة.
وإذا كنت تسير في هذا الطريق فقط لتُثبت أنك قوي...
فتذكّر أن الجغرافيا قد تُؤخذ بالسلاح، لكن القلوب لا تُفتح إلا بالعدل.