تُعتبر جمعيات الصيادين في بعض مديريات ساحل حضرموت من أبرز المؤسسات المجتمعية التي نشأت بهدف مساندة العاملين في مهنة الصيد، وتوفير الدعم المادي والمعنوي لهم في مواجهة الظروف الصعبة التي قد يتعرضون لها. وقد ظهرت هذه الجمعيات في مدن عدة من بلادنا، ومنها مدن ساحل حضرموت التي لطالما كانت مركزًا حيويًا للصيد البحري، ومهدًا لصيادين أفنوا أعمارهم في عرض البحر.
لكن بعد عقود من تأسيس هذه الجمعيات، بات من الضروري طرح سؤال جوهري: هل ما زالت هذه الجمعيات تؤدي دورها كما أُنشئت من أجله؟ أم أن هناك فجوة بين الأهداف المعلنة والواقع الفعلي الذي يعيشه الصيادون؟
في بعض جمعيات الصيادين يتم اقتطاع نسبة تصل إلى 3% او اكثر من دخل الصيادين بشكل مستمر، تحت مسمى دعم الجمعية وتعزيز صندوق التكافل. لكن هذه الاقتطاعات التي دامت سنوات طويلة، لم تنعكس بالشكل المأمول على حياة الصياد أو مستوى معيشته.
فالكثير من الصيادين، بعضهم لهم أكثر من 20 عامًا في المهنة، لم يستفيدوا من الجمعية إلا في مناسبات قليلة، كالحصول على سلة غذائية موسمية أو إعانة نقدية بسيطة او احيانا عند المرض. في المقابل لو احتفظ هؤلاء الصيادون بمبلغ 3% من أرباحهم بشكل شخصي، أو ضمن صندوق جماعي صغير في بيتهم، لكان عائدهم أكبر بكثير مما يحصلون عليه من هذه الجمعيات.
هناك اشكاليات كثيرة وواحدة من أبرز الإشكاليات التي تواجه هذه الجمعيات هي غياب الشفافية المالية. لا توجد تقارير معلنة توضح كم يتم جمعه سنويًا، أو كيف تُدار هذه الأموال، أو ما هي خطط الجمعية الاستثمارية والتنموية. كما أن الصيادين لا يُشركون في القرارات، ولا يعرفون ما يجري داخل أروقة الجمعيات من تعاقدات أو نفقات أو حتى تعيينات إدارية.
ومع غياب الرقابة والمساءلة، يتراجع الأداء المؤسسي للجمعية، وتتحول من كيان خدمي إلى جهة تجبي الأموال دون أن تُقابلها خدمات حقيقية.
رغم كل ما سبق، لا ننكر أن فكرة الجمعية نفسها كانت وما تزال خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح، وأنها حافظت، ولو شكليًا، على كيان يمثل الصيادين. كما أن بعض المبادرات، وإن كانت محدودة، قد أسهمت في تقديم المساعدة للفئات الأشد حاجة.
ولكننا هنا لا نتحدث عن النوايا، بل عن النتائج. ولا نقيم الأقوال، بل الأفعال.
إن كرامة الإنسان لا تنتهي بوفاته، بل تبدأ مسؤولية المجتمع تجاهه في تلك اللحظة. ومن الظلم أن يخرج الصياد من الدنيا بورقة تُسقط كل ما قدّمه، بدلًا من أن تُرفع له لافتة "شكرًا لخدمتك لهذا البحر وهذه الأرض".
ختاماً
إن مهنة الصيد ليست مجرد عمل، بل هي هوية وتاريخ وتراث. ومن حق الصياد، الذي يتحدى البحر يوميًا، أن يجد من يقف إلى جانبه، لا من يستغل جهده.
نحن نكتب هذا المقال بدافع الغيرة على مهنة الصيادين والحرص على تصحيح المسار، لا من باب الخصومة أو الهجوم.
فالإصلاح حق، والمحاسبة ضرورة، والشفافية أمانة.
والله من وراء القصد.