في زمن امتلأ بالتضليل وتزييف الوعي، خرج الأستاذ صلاح باتيس، عضو مجلس الشورى اليمني، في برنامج أثير مسند ليضع النقاط على الحروف، ويعيد كتابة رواية سقوط صنعاء من منظور وطني صادق، بعيدًا عن الدعاية السياسية أو الحسابات الضيقة.
في حديثه، لم يكن صلاح باتيس مجرد سياسي يلقي خطابًا، بل كان أشبه بمن يستحضر مشاهد من الذاكرة الوطنية، يرويها بنبرة من عاش الأحداث وتحمّل نتائجها. كان صوته محمّلًا بالصدق، ومفرداته موزونة بميزان الوطنية والوعي.
أبرز ما يميّز حديثه هو تحرير الرواية الوطنية من قبضة التزوير. تحدث بصراحة نادرة عن اللحظة المفصلية لسقوط صنعاء، وأشار إلى من سهّل الطريق أمام الحوثيين، ليس من باب الاتهام الأجوف، بل مدعومًا بالشواهد، وسردٍ تاريخي دقيق.
لم يحمّل جهة واحدة المسؤولية، بل أضاء على دور بعض النخب، والخيانات السياسية، وتخاذل الأطراف التي كان يُفترض أن تحمي البلاد. هذه الجرأة ليست تحريضًا، بل محاولة لفهم ما جرى حتى لا يُعاد ارتكابه.
كان لافتًا في حديث الأستاذ باتيس أسلوبه الهادئ والمهذب، حتى وهو يتحدث عن خيانات كبيرة وانحرافات قاتلة. لم يستخدم ألفاظًا جارحة، ولم ينزلق إلى خطاب الكراهية أو الشتم، بل خاطب العقل والضمير معًا.
هذا الاتزان الأخلاقي يعكس عمقًا إيمانيًا وتربويًا لدى الرجل، ويمنح كلماته وزنًا أكبر. فالعبرة ليست فقط في ما يُقال، بل في كيف يُقال.
ما قاله باتيس ليس فقط نقدًا للماضي، بل نداءً لإنقاذ المستقبل. دعى إلى مراجعة المسار، وإعادة النظر في من نصنع منهم زعماء أو أبطالًا، والتأكيد على أن الخلاص لن يكون إلا بيد اليمنيين أنفسهم، لا عبر التبعية ولا الارتزاق.
أكد أن اليمن بحاجة إلى صوت العقل، وإلى مشروع وطني جامع لا يقصي أحدًا، ولا يخضع للمصالح الضيقة، بل يعيد لليمن مكانته وسيادته واستقراره
رغم أنني لا أعرف الأستاذ صلاح باتيس معرفة شخصية، إلا أنني شعرت وكأنني أقترب منه من خلال هذه الحلقة. حديثه الصادق، وطريقته في الطرح، وأسلوبه المهذب جعلتني أتمنى لو ألتقي به يومًا، لأشكره على هذا الوعي، وعلى شجاعته في قول الحقيقة وسط هذا الضجيج السياسي.
في زمن يبحث الناس فيه عن القدوة، كان حديثه بمثابة مرآة ناصعة للضمير الوطني، الذي لا يساوم ولا يهادن، بل ينحاز للحقيقة مهما كانت مؤلمة.
في الختام:
حلقة الأستاذ صلاح باتيس لم تكن مجرد تسجيل صوتي، بل وثيقة وطنية يجب أن تُدرَّس. هو أحد الأصوات القليلة التي بقيت وفيّة لمبادئ الثورة والهوية اليمنية، وأحد القلائل الذين تجرأوا على
قول الحقيقة، لا وهم يطلبون منصبًا، بل إبراءً للذمة، ووفاءً لوطن جريح.
فشكرًا له على صدقه، وشجاعته، وعلى حفاظه على أخلاق الخطاب السياسي في زمن كثرت فيه الضوضاء