في خضم مشهد سياسي متداخل ومعقد، تعالت أصوات باسم "أبناء أبين" ترفض نزول لجان مجلس النواب إلى المحافظة، وتتهم هذه الخطوة بمحاولة لإعادة إنتاج الفشل والفساد. غير أن هذا الطرح، على الرغم من لهجته الحادة، لا يمكن أن يُعتبر تعبيرًا جامعًا عن رأي أبناء أبين بكل أطيافهم السياسية والاجتماعية، بل يمثل وجهة نظر لجهة مجهولة أو غير مخولة تتحدث دون تفويض عن محافظة عريقة وواعية بتاريخها السياسي ومواقفها الوطنية.
إنني وبصفتي أحد مواطني محافظة أبين، ارى أنه من الضروري وضع حد لظاهرة احتكار التمثيل الشعبي، ورفض أي بيان يتحدث باسم "أبناء أبين" دون مسوغ شرعي أو تمثيل شعبي حقيقي. إن التحدث باسم مجتمع بأكمله يتطلب شرعية مستمدة من الانتخابات أو التفويض الشعبي، لا من بيانات مفخخة بخطاب إقصائي وانفعالي.
في الرقابة والمحاسبة.. لا حياد ولا تهاون
رغم خيبة الأمل التي عانينا منها طويلًا في أداء مجلس النواب، وتغييبه المتعمد عن واجباته الدستورية، خصوصًا في ظل انهيار اقتصادي واسع وهيمنة قوى انقلابية على أجزاء من البلاد، فإن تشكيل لجان برلمانية للنزول إلى المحافظات المحررة لمراقبة أداء السلطات المحلية يُعد خطوة متأخرة، لكنها صحيحة الاتجاه.
في بلد ينهشه الفساد من أطرافه، ويُستهلك فيه المال العام دون حسيب أو رقيب، فإن أي تحرك مؤسسي – حتى وإن كان متأخرًا – ينبغي أن يُقابل بالتشجيع والدعم لا بالرفض المطلق، خاصة إذا ارتكز على أسس قانونية تهدف إلى تقويم الأداء وضبط الإنفاق وتحقيق العدالة الإدارية.
استنهاض الإرادة الشعبية.. لدعم دولة المؤسسات
إن المرحلة تتطلب خطابًا ناضجًا يتجاوز ردود الأفعال العاطفية، ويركز على ما يخدم الصالح العام. ولا سبيل لإنقاذ ما تبقى من جسد الدولة الهزيل سوى بتفعيل مؤسساتها الرقابية: الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، هيئة مكافحة الفساد، القضاء، والسلطة التشريعية. فالرقابة البرلمانية هي أحد أهم أعمدة التوازن الديمقراطي، وضمانة لعدم انزلاق السلطات المحلية إلى مستنقعات العبث والتسلط.
ونحن كمواطنين، لا نريد أن تبقى الدولة رهينة الحسابات السياسية الضيقة، أو رهينة للاحتكام إلى الشعارات المناطقية والشخصنة المتطرفة. نريدها دولة لكل المواطنين، يراقب فيها المسؤول، ويُحاسب فيها الفاسد، ويُكرم فيها النزيه.
التأييد لا يعني التبعية.. بل دفع نحو التصحيح
تأييدنا لهذه الخطوة لا يعني أننا نمنح شيكًا على بياض لمجلس النواب، ولا ننسى أنه في كثير من الأوقات قد تخلى عن مسؤولياته. لكننا نرى في هذا التحرك فرصة لتحفيز المؤسسات على النهوض، ودعوة لإحياء الضمير الوطني لدى الجميع، بدءًا من النائب وصولًا إلى المواطن العادي.
ندعو الجميع إلى دعم أي تحرك إيجابي يصب في صالح استعادة الرقابة والمساءلة، ونطالب مجلس النواب بأن يُثبت هذه المرة أنه جاد في محاربة الفساد، وأن يتعامل مع مهمته كسلطة تشريعية بكل مسؤولية واستقلالية.
من حق كل مكوّن سياسي أو فرد أن يُعبر عن موقفه، لكن ليس من حق أحد أن يحتكر صوت "أبناء أبين" أو يوظف اسمها في معارك سياسية لا تمثل جوهر مطالب الناس: الخدمات، الأمن، العدالة، والكرامة.
من أبين، نرفع صوتنا عاليًا: نعم لمحاسبة الفاسدين، نعم لتفعيل مؤسسات الدولة، لا لاحتكار التمثيل ولا لخطابات التخوين والتجريم.
بقلم: أحد أبناء محافظة أبين
المواطن عبدالعزيز الحمزة
الجمعة ٤ يوليو ٢٠٢٥م