كلمات تراثية ظلّت تتردد في أسماعنا منذ الطفولة، بلحنها الشعبي الأصيل الذي لا تخطئه الأذن، ولا تخفت نبراته في الذاكرة. سمعناها من أفواه الآباء والأجداد، ورددناها في الطرقات والمناسبات، وارتبطت في وجداننا بالبيئة والعراقة والانتماء.
لكن اليوم، نُفاجأ بظهور هذه الأنشودة في ألبومات فنانين معروفين، من دون أي إشارة إلى مصدرها الشعبي أو جذورها العولقية الأصيلة. وآخر هذه الحالات للفنان محمد عبده، الذي أعاد غناء اللحن ذاته، ما أثار غضبًا واستياءً عارمًا في نفوس المهتمين بالتراث.
إن ما حدث ليس اقتباسًا ولا استلهامًا فنيًا مشروعًا، بل هو نهب صريح لتراث شفهي لمجتمع بأكمله، وسلبٌ لأصوات الناس وتاريخهم وموسيقاهم، في ظل غياب تام لأي جهة رسمية تحمي هذا التراث من التزييف والانتحال.
وليس محمد عبده أول من يفعلها، ولن يكون الأخير، ما دامت البلاد لا تمتلك مؤسسات فاعلة لحماية التراث الشعبي، ولا قوانين تُجرّم السطو الثقافي، ولا توثيقًا معتمدًا يُثبت الملكية المعنوية لمثل هذه الألحان والأنشودات.
وما أكثر الألحان التي نهبت، والقصائد التي غُيرت معالمها، لتُضاف إلى سجلات من لا يستحقها، بينما تظل الأصول ضائعة، والأصوات الحقيقية مهمشة، والذاكرة الشعبية منسية إلا في صدور الكبار وحنجرة من تبقى من الرواة.
لقد آن الأوان لصحوة فنية وثقافية، تستعيد الهيبة لهذا التراث الثمين، وتدافع عن ملكيته، وتُوثّقه قبل أن يُبتلع بالكامل في موجة "السرقات الفنية" التي تطال كل جميل أصيل.
د.علي صالح الخلاقي
-