حين تتأمل في واقع بلادنا اليوم تدرك أن كل شيء منهار تماما لا تنمية لا خدمات لا بنية تحتية.. مشاريع الحياة مجمّدة أو شبه ميتة باستثناء مشروع واحد يمضي بثبات وبوتيرة متسارعة لا تعرف التوقف: ألا وهو ((العسكرة))
فخلال فترات متقاربة نسمع عن افتتاح معسكر جديد، أو تشكيل لواء تحت مسميات مختلفة من (( عمالقة إلى حزام أمني وقوات خاصة ونخب واليوم قوات الطوارئ و درع الوطن )) وغيرها من هذه المسميات التي تتزايد يومًا بعد يوم في مشهد يُشبه سباقًا مفتوحًا نحو التسلّح دون هدف او رؤية واضحة .
وفي المقابل غياب لكل ما له صلة بالحياة من المشاريع الخدمية فالمدارس مغلقة أو شبه مشلولة والمستشفيات تفتقر لأبسط الضروريات والعملة تنهار والاقتصاد في غرفة الإنعاش ومعاناة الناس تتضاعف كل يوم.
بات من الواضح أن التنمية لم تعد أولوية لدى صُنّاع القرار لم يعودوا يرون في التنمية أمرًا يستحق الاهتمام وكأن حياة الناس لم تعد تعني شيئًا في مقابل استعراضات القوة وتقاسم الولاءات العسكرية
ولعلّ صُنّاع القرار ( التحالف ومجلس الثمانية) قد غاب عنهما أن بناء الأوطان لا يكون بالمعسكرات فقط بل بالخدمات الأساسية والتنمية ومشاريع تُعيد الروح لهذا الوطن المنهك.
تبحث عن مشروع خدماتي فلا تجد، وتنظر فلا ترى خطة إصلاح وتسأل عن كهرباء أو تعليم أو حتى مركز صحي بسيط... فلا تجد شيئًا يُذكر.
الوطن الذي حلم به الناس ذات يوم أصبح اليوم يئن تحت وطأة الأطقم العسكرية والتدشينات الوهمية والإهمال المتعمَّد.
لا أحد يُنكر أن البلاد بحاجة إلى الأمن، فهو ركيزة الاستقرار وأساس بناء الدولة.
لكن الأمن لا يُصنع بكثرة المعسكرات وحدها؛
فالأمن الحقيقي يبدأ بإنعاش الاقتصاد وترسيخ قيم العدالة والنظام، وتوفير الخدمات الحيوية الأساسية من مدارس ومستشفيات وكهرباء وبناء الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته، في ظل عدالة تسود الجميع.
أما أن تتحول البلاد إلى مربعات أمنية تُقام فيها المعسكرات وتتكاثر على حساب المدارس والمراكز الصحية والبنية التحتية فذلك مؤشر خطير، ونذير شؤم لا يُبشّر بخير.
السؤال المحيّر:لماذا التركيز على العسكرة وحدها؟ ومن المستفيد الحقيقي من هذا التمدد المتصاعد؟
إلى أين تمضي بنا هذه التشكيلات؟
الناس لا يريدون سوى حياة كريمة… لا شعارات حربية، ولا تشكيلات على حساب لقمة العيش.
الختام:إذا كان صُنّاع القرار جادين في بناء المستقبل، فعليهم أن يتوقفوا عن إغراق الواقع بالعسكرة، ويعيدوا الاعتبار لمشاريع الحياة.
فلا وطن يُبنى بالبندقية وحدها ولا استقرار يدوم دون خدمات تصون كرامة الناس وتمنحهم حق العيش الكريم.
محمد عبدالله المارم القميشي