في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، يتزايد الخطر الذي تشكله ميليشيا الحوثي، الذراع الأخطر للحرس الثوري الإيراني جنوب الجزيرة العربية يوماً بعد يوم. هذا التهديد أدركته المملكة العربية السعودية منذ بداية انقلاب الحوثيين على الشرعية اليمنية، خاصة بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء في عام 2014م، مما دفعها إلى التحرك الحاسم لتشكيل تحالف عربي في مارس 2015م، بهدف دعم الشرعية واستعادة مؤسسات الدولة اليمنية، والقضاء على المشروع الإيراني في اليمن.
ولكن للأسف الشديد بالرغم من الدعم العسكري والسياسي والمالي واللوجستي الذي قدمته المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي، إلا أن أداء القيادة الشرعية اليمنية وفصائلها المختلفة انذاك لم يرتقِ إلى حجم هذا الدعم، حيث أخفقت في تحقيق إنجازات ميدانية ملموسة، أو حتى في بناء مؤسسات وطنية فاعلة قادرة على استيعاب هذا الدعم وتوظيفه بالشكل الأمثل. هذه الإخفاقات تركت فراغاً أمنياً وعسكرياً استغلته ميليشيا الحوثي في تثبيت سلطتها، وتوسيع رقعتها الجغرافية، وتعزيز ترسانتها العسكرية.
ومع مرور السنوات، توجهت المملكة العربية السعودية نحو الخيار السلمي، آملة أن تقود الحوارات والمفاوضات إلى حل سياسي ينهي الأزمة ويضع حداً للنفوذ الإيراني في اليمن. لكن وبعد ثماني سنوات من المحادثات الغير المثمرة، اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن ميليشيا الحوثي لا تؤمن بالسلام، بل تتخذ من المفاوضات غطاءً لتمديد فترة الهدوء العسكري، واستغلال الوقت في استقبال شحنات الأسلحة الإيرانية المهربة، وتطوير قدراتها القتالية بدعم مباشر من الخبراء الإيرانيين المتخصصين في تصنيع وتطوير الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيرة، والتقنيات المتطورة.
ولم يعد خافياً أن ميليشيا الحوثي تعمل بتوجيهات مباشرة من قيادة الحرس الثوري الإيراني، وتسعى لتوسيع نفوذها بما يتجاوز حدود اليمن. ويُعد أمن المملكة العربية السعودية هدفاً رئيسياً لهذه الجماعة الطائفية، التي ترى في استقرار المملكة وحلفائها الإقليميين عقبة أمام التمدد الشيعي في المنطقة. ولذلك فإن الوقت ليس في صالح المملكة ولا دول الخليج، فكل يوم يمر يعني زيادة في تسليح المليشيا الحوثية وتعاظم خطرها، مما يجعل مهمة مواجهتها في المستقبل أكثر كلفة وصعوبة.
اليوم أصبحت هناك قوات يمنية حكومية وقوى محلية أكثر جاهزية وقدرة على مواجهة ميليشيا الحوثي من أي وقت مضى، وهي بحاجة فقط إلى دعم حقيقي ومباشر من التحالف العربي، يعيد الزخم للمواجهة، ويفرض توازناً جديداً على الأرض يفتح الباب أمام سلام حقيقي، تقوم أسسه على هزيمة المشروع الإيراني، وليس التعايش معه.
إن خطر الميليشيات الحوثية، ومن ورائها إيران، هو خطر وجودي واستراتيجي، لا يهدد اليمن فقط، بل يشكل تهديداً مباشراً لأمن المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي والمنطقة بأسرها. لذلك فإن التعويل على الحوار وحده دون ضغط عسكري حقيقي قد يتيح للعدو التمكين من أدواته والتقدم بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه. وما هو ممكن اليوم، قد لا يكون كذلك غداً.