آخر تحديث :الجمعة-04 يوليو 2025-11:08م

مشيناها خطى

الجمعة - 27 يونيو 2025 - الساعة 10:51 م
ناصر الوليدي

بقلم: ناصر الوليدي
- ارشيف الكاتب


أحمد سليمان شاب سوداني شيوعي ماركسي خطير حد تعبير وزارة الخارجية الأمريكية، اعتقله الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حينما كان طالباً في كلية الحقوق جامعة القاهرة، في الفترة التي شن فيها عبد الناصر حملات واسعة على الشيوعيين، كان هذا الشاب (مجنون قراءة) لا يكاد يكف عن القراءة في كل وقت وفي كل مكان، وكانت جل قراءاته قراءات ماركسية شيوعية سواء كانت الشيوعية الصينية أو الشيوعية السوفيتية.

تخرج الرجل من جامعة القاهرة وعاد إلى السودان وتولى عدة مناصب في فترة حكم الشيوعيين، ودخل المعتقلات في فترة حكم خصومهم، فكان يتنقل بين المناصب والمعتقلات، حتى أنه في فترة ما تولى كرسي السودان في منظمة الأمم المتحدة، ثم عاد إلى بلاده واعتقل وطالت فترة اعتقاله، فكان يقضي معظم وقته في السجن مطالعا للكتب والمجلات والإصدارات، مما سهل عليه احتمال طول المقام في السجن، فأدركت إدارة السجن سر صبر وصمود وتحمل الوزير المعتقل أحمد سليمان فمنعت عنه جميع الكتب، وبقي في السجن وحده ليس معه إلا الجدران، فكاد يجن من الفراغ والملل وطول الوقت، وذات يوم تحيل على حارس السجن ليبحث له عن أي كتاب أو مجلة يجدها في إدارة السجن، ولكن الحارس لم يجد كتابا ولا مجلة إلا أنه رأى مصحفاً على أحد رفوف غرفة من غرف السجن، فأخذ المصحف وسربه حتى أعطاه السجين الوزير المحامي الشيوعي الماركسي أحمد سليمان، أخذ الرجل المصحف إذ لم يجد غيره يدفع به الملل، وفي زنزانته أخذ يقرأ القرآن ويعيده ويكرره، ويتأمل معانيه، وكانت المرة الأولى في حياته التي تتسنى له مثل هذه الأوقات الطويلة التي يقضيها مع القرآن الكريم، وزلزل القرآن فكر وقلب وعقل وقناعات الرجل، فإذا هو خاشعا متصدع من خشية الله، وكأن الآيات تنزل من السماء على قلبه فتطهره من الإلحاد والجحود، ويهطل على قلبه غيث الإيمان واليقين، ويتحول الرجل تحولا جذرياً، إذ أنه دخل السجن ملحدا وخرج منه مؤمناً موقنا يخفق قلبه بحب الله والإيمان به وبوعده ووعيده وخبره.

تنتهي فترة اعتقال الرجل ويخرج بوجه ووجهة غير التي دخل بها، ويغادر الفكر والحزب الشيوعي ويأوي إلى رحاب الله، ويبدأ النزول إلى ميادين العمل مع الله، ويفتح مؤسسة الراية الإسلامية ويصدر عنها مجلة الراية، ويوقف مابقي من عمره في خدمة المشروع الإسلامي حتى لقي الله رحمه الله تعالى.


كتب مذكراته في كتاب (مشيناها خطى)



*أبو زين ناصر الوليدي*