في كل بيت في بلادنا بات الريال اليمني(العملة المحلية) المتهاوية محور الحديث،ومصدر الخوف،ومفتاح الألم بعد أن تحوّلت أبسط الحاجات اليومية إلى معارك، من أجل كيس دقيق أو علبة دواء أو وقود يصلح لساعة كهرباء فالأسواق تئن تحت وطأة الأسعار، والمواطنون يطاردون قوت يومهم كما يُطارد السراب في صحراء شاسعة، بلا يقين، بلا أمل. كل يوم يمرّ يحمل معه حسرة جديدة، وخوفًا مضاعفًا من غدٍ لا يحمل في طياته سوى المزيد من القلق.
°راتب الموظف لم يعد سوى رقمٍ شكلي لا يصمد أمام جنون الأسعار ولا يغطي كلفة حياة كريمة؟
هنا كل شيء قابل للارتفاع إلا راتب الموظف الذي لا يدري كيف سيؤمّن لقمة اليوم، ولا بأي ثمن سيدفع فاتورة الغد ولا يعرف إلى أي مدى سيصمد راتبه الذي يتبخر قبل منتصف الشهر وهو أصلا لم يعد سوى رقمٍ شكلي لا يصمد أمام جنون الأسعار ولا يغطي كلفة حياة كريمة.فالدواء الذي كان في متناول اليد أصبح رفاهية وكأن المرض رفاهية لا يليق بالفقراء. فكيف لمواطن أن يختار بين علاج طفله أو إطعامه؟ بين قسط إيجار أو تعبئة جالون ماء؟ ولأجل ذلك صار المواطنين في بلادنا يخشون نشرات الصرف كما يخشون خبرًا عاجلًا عن قصفٍ جديد. في وطنٍ يفترض أن يُطمئن فيه البنك المركزي الناس، ولهذا لم تعد ثقة المواطنين بالسياسة النقدية قائمة، ولم تعد الوعود تصمد أكثر من يومين أمام موجات الغلاء.
°ثورة الجياع لا تعترف بالحسابات السياسية ولا تنتظر ضوءًا أخضر من الخارج،لأنها تنفجر حين يُغلق الداخل كل أبواب النجاة؟
لأصحاب القرار ما زال هناك متسع من الوقت لكن الأمر يتطلب شجاعة، وصدق نية، وإرادة لا تخون.وما نحتاجه ليس فقط حلولًا إسعافية تُسكّن الأوجاع، بل مشروعًا وطنيًا صادقًا، تدرك أن ما يُبنى على الظلم لا يدوم، وأن العملة لا ترتفع بالقوة، بل بالثقة والاستقرار والعدالة والدولة التي لا تحمي مواطنيها، ولا تؤمن لهم الحد الأدنى من العيش، هي دولة بلا شرعية حقيقية، مهما امتلكت من سلاح أو دعم.وأن الكرسي الذي يُنتزع من تحت أقدام الجائعين، لن يُثبت يومًا.فإما أن تُستعاد الدولة بوظيفتها الأخلاقية والاقتصادية…أو يُترك الشعب لمصيره، وهو إن ثار، فلن يُبقي ولن يذر.وإن ثار الشعب، فلن تكون ثورته من أجل طرف سياسي أو فصيل متنازع، بل من أجل لقمة العيش، من أجل كرامته المهدورة، ومن أجل أطفاله الذين كبروا على الوجع بدل الأمل. ثورة الجياع لا تعترف بالحسابات السياسية، ولا تنتظر ضوءًا أخضر من الخارج، لأنها تنفجر حين يُغلق الداخل كل أبواب النجاة.
°القرارات المرتجلة الغير مبنية على رؤية
اقتصادية واضحة لن توقف انيهار الريال اليمني؟
كل قرار مرتجل لا يُبنى على رؤية اقتصادية واضحة لن يوقف انيهار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية وعملية إنقاذه لن تصدها قرارات مرتجلة، ولن تُسعفها تدخلات خجولة لأن العملة القوية لا تُطبع في المصارف، بل تُبنى بالإنتاج، بالاستثمار، بالثقة، وبحماية المواطن من الابتزاز اليومي الذي تمارسه الأزمات.وما نحتاجه لإيقاف النزيف المستمر للريال اليمني ليس فقط حلولًا إسعافية تُسكّن الأوجاع، بل مشروعًا وطنيًا صادقًا، يضع الإنسان أولًا، ويعيد للدولة معناها الحقيقي، وحمايته لن تكون في طباعة المزيد منه،بل في المحافظة على قيمته ومحاسبة من نهبوا المال العام، من تمكين الكفاءات، لا تمكين الأقارب. أما دون ذلك فلن يستقيم شيء في هذا البلد.
°طريق الإصلاح طويلة لكن لا مفر منها ويجب أن يتعامل أصحاب القرار مع الريال كرمز للكرامة،لا كرقم يتآكل بصمت؟
طريق الإصلاح طويلة لكن لا مفر منها ولعل أول خطوة حقيقية للإنقاذ أن يصغي أصحاب القرار لصوت الشعب، لا لصدى مصالحهم، وأن يتعاملوا مع الريال كرمز للكرامة، لا كرقم يتآكل بصمت فانهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية ليس مجرد أزمة مالية، بل تحوّل إلى أزمة حياة.ووجع يطرق أبواب بيوت ملايين اليمنيين دون استئذان. هذا الانهيار لم يترك شيئًا على حاله، فقد التهم أحلام البسطاء، وأرهق جيوب الفقراء، وزاد الأغنياء ثراءً على حساب وجع الناس. أصبح المواطن بين سندان الغلاء ومطرقة العجز، يرى الأسعار تتسابق في الصعود، بينما الريال يركض في سباق الهبوط بلا خط نهاية وحين يتحول الخبز إلى حلم، والدواء إلى رفاهية، يصبح الصمت خيانة، والمعالجة واجبًا لا يحتمل التأجيل. فالأرقام التي تنهار اليوم ليست مجرد مؤشرات سوق، بل مؤشرات بقاء.
وأخيراً صبر الناس كثيرًا،لا عن ضعف، بل لأنهم كانوا يؤمنون بالغد،وكانوا يمنحون الدولة فرصة تلو الأخرى.لكن اليوم، تبددت تلك الثقة، ولم يتبقَ إلا شعور بالخذلان، وغضب مكتوم يترصد كل من باع وتواطأ وسكت وبلادنا ليست أرضًا فقط، بل روحٌ أنهكتها الحروب، وذاكرة مثقلة بالخيانة، وعين تترقب الإنصاف في زمن غاب فيه العدل. أما شعبها، فقد أثبت مرارًا أنه لا ينكسر، لكنه اليوم لا يحتاج بطولة، بل إنصافًا. لا يحتاج وعودًا، بل فعلًا صادقًا يُنقذ ما تبقى من حياته وكرامته.فإما أن تصحو الضمائر قبل أن يُكتب الفصل الأخير من هذا الانهيار…أو أن يكتب الشعب مصيره بيده، ولو بثمنٍ باهظ، لأن الجوع لا يصبر، والكرامة لا تُشترى.وحين يقرر الشعب أن يكتب مصيره بيده، فلن تعود الشعارات قادرة على إسكات صوته، ولا التهديدات على كسر إرادته. فالجوع حين يتكلم، يسقط كل حساب، وكل خطوط حمراء، وتصبح الكلمة الفصل لمن ذاق القهر ولم يعد لديه ما يخسره.