آخر تحديث :الأحد-17 أغسطس 2025-05:55م

العـيــد.. وجـبر الخــواطر

الجمعة - 06 يونيو 2025 - الساعة 10:44 م
محمد عبدالله المارم

بقلم: محمد عبدالله المارم
- ارشيف الكاتب


يحلّ اليوم عيد الأضحى ويستقبله كثير من الناس بالفرح والضحكة والكسوة واجتماع الأهل

لكنه يأتي على آخرين وهم في ضيق أو حزن أو حاجة.

منهم من لا يملك ما يشتري به ملابس العيد لأطفاله، ومنهم من لا يجد ما يضعه على مائدة العيد، ومنهم من فقد عزيزًا فغابت عنه فرحة العيد.

وهؤلاء لا ينتظرون الكثير، بل يكفيهم موقف بسيط، أو كلمة طيبة، أو نظرة رحيمة تشعرهم أنهم ليسوا وحدهم.


في هذا اليوم المبارك، قد تكون كلمة منك جبرًا لقلبٍ مكسور، وسببًا في دعوة صادقة تُرفع لك إلى السماء.

فجبر الخواطر ليس أمرًا عاديًا، بل عبادة عظيمة، قد تكون أثقل في ميزانك من كثير من العبادات.


يُروى أن امرأة مرت برجل يبدو عليه الجنون، وكان يرسم بعصًا على الأرض. سألته بلطف: "ماذا تفعل؟" فقال: "أرسم الجنة وأقسمها إلى أجزاء."

ابتسمت وسألته: "هل يمكنني أن آخذ قطعة؟ وكم ثمنها؟" قال: "عشرون ريالًا." فأعطته المال ومضت.


وفي تلك الليلة، رأت في المنام أنها في الجنة. وفي الصباح، أخبرت زوجها بالقصة، فذهب الرجل إلى ذلك المجنون وطلب منه قطعة من الجنة، لكنه قال له: "لا أبيع!"

تعجب الزوج وقال: "لكن بالأمس بعت لزوجتي!"

فأجابه الرجل: "زوجتك لم تكن تشتري الجنة، بل كانت تجبر خاطري، أما الجنة، فدخولها لا يُشترى، بل يُنال بجبر الخواطر."


لذلك قيل:

"اجبروا خواطر بعضكم، فإن من سار بين الناس جابرًا للخواطر، أنقذه الله من جوف المخاطر."


جبر الخواطر خلق نبيل، وعبادة يغفل عنها كثير من الناس، رغم أن أجرها عند الله عظيم.

وهي لا تحتاج منك مالًا ولا جهدًا، بل قلبًا طيبًا، ولسانًا حسنًا، وتعاملًا رفيقًا.


قال الإمام سفيان الثوري:

"ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم."


وكان النبي ﷺ يدعو بين السجدتين:

"اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، واجبرني، وارزقني."


وفي قصة يوسف عليه السلام، حين أُلقي في البئر، قال الله تعالى:

﴿وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون﴾،

فكان هذا الوحي جبرًا لخاطره وتثبيتًا لقلبه في لحظة انكسار.


ومن صور جبر الخواطر في حياتنا:

أن تشتري من بائع بسيط يقف تحت الشمس، أن تسامح من أخطأ في حقك، أن تدخل السرور على والديك دون أن يطلبا، أن تبتسم لمن يمرّ بيوم صعب، أن تقول كلمة طيبة لشخص حزين، أن تمنح غيرك شعورًا بأنه مهم.


وقال أحمد بن عبدالحميد الحارثي عن الحسين اللؤلؤي:

"ما رأيت أحسن خلقًا منه، كان يكسو مماليكه كما يكسو نفسه."

وهذا من أروع الأمثلة على جبر الخاطر.


وفي الختام:

جبر الخواطر لا يتطلب كثيرًا. ربما كلمة واحدة، أو نظرة، أو ابتسامة، تكون سببًا في شفاء قلب مكسور، أو تهدئة نفس موجوعة.

فلنجعل من جبر الخواطر أسلوب حياة، ومن العيد فرصة لمواساة من ضاقت بهم الحياة.


وكل عام وقلوبكم جابرة لا جارحة، ومجبورة لا مكسورة.