آخر تحديث :الخميس-26 يونيو 2025-09:41م

لم يبقئ لنا منه سوى الذكرى

الخميس - 05 يونيو 2025 - الساعة 08:26 ص
احمد الجعشاني

بقلم: احمد الجعشاني
- ارشيف الكاتب


اصبح الناس في حيرة من أمرهم وغير قادرين على شراء أضحية العيد ولم يعد هناك من سبيل لشراء الأضاحي الذي أرتفع سعرها الى ثلاث مائة الف ريال يمني يفوق دخل المواطن خمس مرات ويمكن البعض أكثر من ذلك .بعد ما كانت ألاسرة تنتظر بفارغ الصبر قدوم عيد الاضحي لنحر الكباش وتتجمع فيه الاسرة و أفرادها في بهجة وسرور وفرح . تغير الحال و لم يعد هناك منال من تحقيق ذلك كبش العيد أصبح مثل حلم بعيد المنال ولم يبقئ منه سوى الذكرى . أتذكر فيما مضى كيف كان والدي يشتري كبش العيد قبل عيد الأضحى بيومين كان والدي يذهب إلى سوق المواشي لشراء أضحية العيد وهي عادة قديمة ظل ابي محتفظ بها بعد وفاة والده لانها فيها قربة الى الله سبحانه وتعالى وهي شعيرة و سنة نبوية يجب إتباعها لمن استطاع ذلك. وكان يشعر أيضا ان إحضار الأضحية شي مهم للعائلة واجب أسري ورابط اجتماعي وفيها من صلة الرحم .وكان عليه التكفل بها وحرصا منه كان يتهيأ ويستعد لهذه الأضحية ويظل يجمع قيمة هذه الأضحية من معاشه الشهري. منذو وقت طويل و مبكر كما كان يفرح ويحس بالسعادة والرضا وخاصة في هذا اليوم عيد الأضحى المبارك لوجود جميع إفراد العائلة إخوته وأخواته وأبنائهم وبقية إفراد العائلة. حين تتجمع ويلتم شمل العائلة عنده في البيت في كل عيد تشكل حالة من المرح و البهجة والانبساط .ومن مظاهر العيد أيضا فرحت الأطفال وسعادتهم حين يظلون ينتظرون قدوم العيد و هذا الضيف (كبش العيد) الذي يزورهم في كل سنة مرة بفارق الصبر والشغف وان غادرنا في اول ساعة من صباح هذا العيد . ودائما ماكان أبي يأخذني معه إلى ذلك السوق وانتظر ذلك المشوار بشغف و بفارق الصبر.



وقبل عيد الأضحى بايام تتوالى الناس إلى مدينة الشيخ عثمان من كل مناطق عدن وضواحيها لشراء الأضاحي ويمتلئ السوق بالناس ويكتظ السوق بالبشر وتشعر وكأنك في زيارة لولي من أولياء الله الصالحين التي كانت تقام في عدن . وما أن تحط أقدامنا في سوق المواشي حتى يتهاهفت علينا مجموعة من الدلالين وسماسرة السوق كل واحد منهم يحاول جذبك اليه بأسلوبه وطريقته . الا ان ابي لم يتكلم معهم يظل صامت ويستمر في المشي وسط السوق بين الناس والمواشي والسيارات الواقفه هنا وهناك وعليها مواشي وأغنام من محافظات أخرى مجاورة لعدن . إلا أن ابي يظل يبحث بعينيه ويلفت يمين يسار حتى يجد صاحبه ابو سالم . هو دلال مواشي في سوق الغنم رجل خمسيني السن او في منتصف العمر ذو شارب عريض يلفت الانتباه من أول ولهه وقصير القامة ويلف رأسه بعمامة كتلك العمائم الذي اشتهر بها أهل القرى وذو صوت جهوري مبحوح .



يثق ابي فيه كثيرا يرحب بأبي ثم يمسك بيد ابي ويقول تعال معي دعك منهم قاصدا بقية السماسرة والدلالين وهم يعرضون ماشيتهم علينا . يمشي بنا في وسط السوق المكتظ بالناس إلى مكان فيه الكثير من الأحواش او حظائر الغنم ثم يدخل حظيرة من الحظائر يحضر ماشية وقال لابي خذ هذا انه مناسب لك . ثم قال خذ هذا وسترى ثم يمد يده على خصر الماشية وقال انها سمينه ومرعاها طيب وفتح فمها وقال صغير وهو يشير بإصبعه على أسنان الماشية وهي صنعة وطريقة يستخدمها دللال المواشي في السوق وهو أسلوب خاص بهم في إقناع الزبون . إلا أن ابو سالم كان من القلة القليلة التي لازالت تحتفظ بأخلاق المهنة ولا يحب الغش وأبي يثق فيه كثيرا لمعرفته به منذو زمن طويل .ولم يخذله مرة واحده حتى أني قلت في نفسي إذا لم يجد ابي ابو سالم لم يشترى أبي الأضحية الا انه لم يخذله ودائما ما كان حاضرا حين نأتي .



وفي مرة بعد عدة سنوات لم يعد يستطيع ابي الذهاب إلى السوق لكبر سنه ولم يعد يخرج كثيرا عدا مشواره إلى المسجد القريب من البيت . فكنت أنا اذهب عنه لشراء أضحية العيد وفي مرة كنت ابحث عن ابو سالم في السوق فلم أجده فكانت المرة الأولى التى لم يحضر ابو سالم الى السوق . فبحث عنه كثيرا ولكني لم اعثر عليه وقلت في نفسي سأشتري انا طالما لم أجد ابو سالم ولكني فشلت . ليس لأني لم اجد أضحية مناسبة ولكني لم أجد أضحية بالمبلغ الذي كان معي و كنا نعطيه ابو سالم . بعدها بفترة لم استغرب غياب أبوسالم وأختفائه من السوق . ذلك لاني تيقنت و فهمت أن زمن ابو سالم اختفى كما اختفت معه أيضا أضحيتنا في العيد في ذلك البيت الذي كان في كل عيد يضحي ولم يبقئ لنا منه سوى حلم وذكرى .




أحمد الجعشاني