العبودية، تلك الظاهرة التي اعتقدنا أنها من مخلفات الماضي، لا تزال حاضرة في عصرنا الحديث، ولكن بأشكال مختلفة ومتنوعة. فعلى الرغم من أن العبودية التقليدية التي كانت تعتمد على الملكية المباشرة للأشخاص قد تم حظرها في معظم أنحاء العالم، إلا أن أشكالًا جديدة من العبودية التي تطوّرت من أشكالها وتبدّلت أقنعتها.
لم نعد نرى السلاسل تُجرّ على الأقدام، لكن السخرة، والاستعباد الجنسي، وعمالة الأطفال، واستغلال العمال المهاجرين، وتوريث الفقر والجهل، كلها مظاهر عبودية معاصرة تحميها الأنظمة الطبقية الرجعية. في من الخليج إلى المغرب، تُستعبَد ملايين النساء والخادمات والعمال تحت غطاء "القانون" و"العادات"، يُمنعون من التنقل، من التنظيم، من الكرامة.
أنظمة الكفيل في الخليج، واستغلال الأطفال في المزارع والمصانع، والرقّ الجنسي في الحروب والنزاعات، كلها نتائج لاقتصاد ريعي وتابع، لا يخدم الإنسان بل يسحقه.
رواية "سيدات القمر" للكاتبة العُمانية جوخة الحارثي تطرح قضية العبودية في التاريخ العُماني والخليجي، وتسلط الضوء على الظلم والتوحش الذي تعرض له الضحايا. الرواية تبرز دور الدين في مواجهة هذه الظاهرة، وتشير إلى أن الإسلام يرفض العبودية ويدعو إلى الإحسان والعدل.
موقف دول الخليج من العبودية الحديثة يبدو متناقضًا بعض الشيء. من جهة، تؤكد دول مجلس التعاون الخليجي التزامها الراسخ بالقضاء على أشكال الرق المعاصرة، كما أكدت ذلك في بيانها خلال الدورة السابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف. وأعربت عن التزامها بمكافحة العمل الجبري أو القسري، استنادًا إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
من جهة أخرى، ينتقد الكثيرون نظام الكفالة في الخليج، الذي يعتبرونه شكلًا من أشكال العبودية الحديثة. هذا النظام يقيّد حق العمال الأجانب في تغيير عملهم أو السفر دون إذن من الكفيل، يجب على الحكومات والمجتمعات العمل معًا لوضع حد للعبودية الحديثة وضمان حقوق الإنسان للجميع.
العبودية اليوم ليست حالة فردية، بل نظام اجتماعي واقتصادي كامل، تحرسه الدولة، وتسنده المؤسسات الدينية، ويُصوَّر كـ"قدر" أو "ثقافة". التحرر الحقيقي لا يكون إلا بثورة طبقية تطيح بالأنظمة التي تُنتج العبودية وتُعيد إنتاجها.
فيما يتعلق بالحوثيين، يمكن القول إن أي نظام أو جماعة تستغل أو تقمع أو تسخر الأفراد يمكن اعتباره شكلًا من أشكال العبودية الحديثة. الاستبداد والسيطرة على الحريات والحقوق يمكن أن يُصنّف ضمن مظاهر العبودية المعاصرة إذا كان يهدف إلى استغلال أو إذلال الأفراد.