آخر تحديث :الإثنين-07 يوليو 2025-11:05ص

المليشيات الحوثية بين تسويق الوهم وتجاهل الكارثة .. قراءة سياسية ونفسية واجتماعية

الجمعة - 30 مايو 2025 - الساعة 10:44 م
عبدالواسع الفاتكي

بقلم: عبدالواسع الفاتكي
- ارشيف الكاتب


يتساءل كثير من اليمنيين ، والمراقبين للشأن اليمني في الداخل والخارج ، عن سبب إصرار ميليشيات الحوثي على تصدير الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها اليمن ، وتدمير مقدراته وبنيته التحتية ، على أنها تضحيات مقدسة في معركة كبرى ، هذه الخسائر التي شملت الموانئ والمطارات ، وصولًا إلى تدمير أربع طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية ، ومصانع الأسمنت في عمران وباجل ، ومحطات الطاقة الكهربائية ، لا تعترف بها مليشيات الحوثيين على أنها نتيجة مباشرة لسياساتها أو لمواقفها ، بل تنكر مسؤوليتها عنها ، وتوجه اللوم إلى العدوان الخارجي ، وتحديدًا الولايات المتحدة وإسرائيل .


في كل مرة يتكبد فيها اليمن خسارة فادحة ، يلاحظ المراقبون تصعيدًا حادًا في الخطاب الإعلامي والسياسي للمليشيات الحوثية ، هذا الخطاب لا يتعامل مع الواقع كما هو ، بل يعيد تفسير الكارثة على أنها نصر مؤزر وقربان مقدس ، يُقدَّم من الشعب اليمني في سبيل معركة كبرى تُخاض ، كما تدعي ، نيابة عن الأمة العربية والإسلامية ، وتحديدًا لنصرة غزة وكسر الحصار عنها .


الميليشيا الحوثية بحكم طبيعتها الأيدلوجية المغلقة ، لا تعترف بأخطائها ، ولا ترى في إخفاقاتها إلا تمهيدًا لنصر إلهي قادم ؛ فهي كغيرها من الحركات العقائدية المغلقة ، ترى نفسها فوق النقد ، وتعتبر الفشل دليلًا على التمحيص الرباني ، لا على القرار الخاطئ وسوء التخطيط أو فساد الإدارة ، كل نقد يُوجَّه لها يُعتبر تهديدًا وجوديًا ، وكل صوت مخالف يُصوَّر على أنه خيانة أو عمالة .


بدلًا من الاعتراف بالعجز عن صرف الرواتب ، وتوفير الخدمات ، وتحمل المسؤوليات ، تلجأ المليشيات الحوثية إلى تغليف إخفاقاتها بسرديات بطولية زائفة ، فكل تأخر في دفع الرواتب ، وكل انقطاع في الكهرباء ، وكل مظاهر القمع والفقر المدقع ، يُسوَّق على أنه ثمن طبيعي لمعركة مقدسة ، تخوضها المليشيات الحوثية نيابة عن الشعب اليمني والأمة العربية والإسلامية ، ويفترض بالمواطنين أن يتحملوه بصمت ، وفي ظل هذه السردية ، يصبح الحديث عن أي التزام تجاه المواطن ترفًا أو خيانة ، فكيف يُطالب المواطن بخدمة أو راتب في حين أن المناضلين يخوضون معركة مقدسة؟!


لأن المليشيات الحوثية لا تستطيع تغطية إخفاقاتها بدون وجود عدو ، فهي تعمل على خلق عدو دائم خارجي وداخلي ، تستخدمه لتبرير العنف ، وتعزيز خطاب القمع ، وتفادي أي مساءلة ، بل تُصوَّر أي خسارة مدنية – مثل تدمير البنى التحتية – على أنها فشل للعدوان لا كارثة وطنية ؛ فاستهداف المنشآت المدنية يتحول في خطاب المليشيات الحوثية إلى ذخيرة رمزية تُستخدم في التعبئة والحشد واستمرار آلة الحرب .


تمارس الميليشيات الحوثية تعتيمًا إعلاميًا واسعًا على حجم الخسائر والضحايا ، في صفوف المدنيين ، أو حتى ضمن قواتها العسكرية ؛ الهدف هو منع المجتمع من الوصول إلى الحقيقة ، ومن ثم إبعاده عن التساؤل أو التشكيك. وكشف الواقع كما هو ، ما من شأنه أن يُفقد المليشيات الحوثية هالتها القدسية ، ويكشف زيف ادعاءاتها ، ويضعها في مواجهة محاسبة شعبية هي عاجزة تمامًا عن تحملها .


من الناحية الأيدلوجية والنفسية والاجتماعية ، تعتمد مليشيات الحوثيين على خطاب ديني بطولي ؛ لتبرير استمرار القتال والفقر والقمع ، وتخلق نوعًا من التوازن النفسي لدى جمهورها ، بحيث يصبح القبول بالمعاناة جزءًا من الواجب الجهادي ، والخضوع للسلطة جزءًا من الولاء العقائدي ، وكلما سقط المزيد من الضحايا ، زادت وتيرة الترويج بأن النصر اقترب ، وكل التضحيات لم تذهب سدى ، حتى وإن كانت الحقائق تشير إلى عكس ذلك تمامًا .


الميليشيات الحوثية تمثل نموذجًا صارخًا لحركة أيديولوجية مغلقة ، تُجيد صناعة الوهم ، وتتفنن في الهروب من مواجهة الحقيقة ، استمرارها في الحكم مرهون بقدرتها على خلق سرديات موازية للواقع ، وتصدير البطولات الزائفة ، وتكميم الأفواه ، وتحويل الكارثة إلى ملحمة بطولية ، وهي بذلك تغرق اليمن في مستنقع الدمار ، وتدفع بالشعب اليمني إلى هاوية أكثر ظلمة ، تحت شعار الكرامة ، والمعركة المقدسة


عبدالواسع الفاتكي