تحل العشر من ذي الحجة كأيام من أيام الله بالغة ما بلغ الليل والنهار لا تحتجب عن مكان في العالم ولا عن مسلم يأويه قصر أو كهف في حضر أو بادية وتعرض ما فيها من خير لكل الناس سواء كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام " فمن جملة الأعمال الصالحة المسارعة في الخيرات والتقرب بالطاعات كالذكر والدعاء والاستغفار والصدقات وسائر أعمال البر وهذه الأعمال هي التي يحرص عليها المسلمون لأنهم قد. فهموا أنها مقصودة من الحديث في العشر وهذا تفسير ناقص لمفهوم العبادة جعل كثيرا من الناس لا ينظرون إلى أعمال القلوب وحاجة المسلم لتقوية ضعف الإيمان -الذي لا يكاد يسلم منه قلب مسلم إلا القليل ممن طهره الله واصطفاه - ومعالجة ما فيها من الأمراض والعلل ولهذا السبب تجد بعض المسلمين يتحسن في العبادات الظاهرة كالصلاة والذكر والصدقة ونحوها بينما أعمال القلوب بحاجة إلى اهتمام وعناية أكثر لا تلقى اهتماما ولا معالجة ولأهمية هذا الأمر ذكر الإمام محمد بن الوهاب رحمه الله في كتابه " الأصول الثلاثة " مقدما أعمال القلوب قال : "ومن أنواع العبادة الدعاء والخوف والمحبة والتوكل والرجا والرغبة والرهبة والخشوع والخشية ... والذبح والنذر فمن صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك " وجاء عن عبدالله بن عمر : " تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا وأنتم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان " المقصد من ذكر ما ذكرناه وإن كان الواجب على المسلم السعي في الطاعات وتقوية إيمانه والتوبة والرجوع إلى الله في كل حين المقصد أن العشر وقت مناسب لأن تصلح وتحسن فيه النفس المسلمة من كل النواحي الظاهرة والباطنة وأن يستقيم السلوك المعوج فكمن إنسان بسبب الفهم الناقص يظل ملازما لمعصية أو عادة سيئة أو تنطوي نفسه على حسد أو كبر أو رياء لم يخطر بباله أن علاج واحدة من تلك العلل يفوق في الأجر عملا صالحا يتقرب به إلى الله مما لم يفرضه الله عليه
ومن أراد أن يعرف حاجتنا إلى العناية بقلوبنا ينظر عند القيام إلى صلاة ركعتين فإن المسلم لا يجد صعوبة أن يصليها ولكن لو أراد أن يخلص فيهما ويخلصهما لله لوجد مشقة والسبب يرجع إلى أننا نمارس الأداء أكثر ويقل اهتمامنا بالنية وفق الله الجميع لما فيه رضاه ولا حول ولا قوة إلا بالله
محمد العاقل
3 / ذي الحجة / 1446 هـ