في واحدة من أكثر الشهادات صراحة وجرأة، فجّر السفير البريطاني الأسبق لدى اليمن، إدموند براون، قنبلة سياسية من العيار الثقيل حين اعترف علنًا بأنه تعرض لضغوط مباشرة من منظمتي “أوكسفام” و”العفو الدولية” للعمل لصالح ميليشيا الحوثي. هذا الاعتراف لا يأتي من ناشط حقوقي مغمور أو مراقب سياسي عابر، بل من دبلوماسي بريطاني رفيع المستوى خدم في قلب الحدث. وعليه، فإن تصريحاته ليست مجرد رأي بل شهادة تاريخية تفضح نفاقًا دوليًا وعجزًا أخلاقيًا مدويًا. شهادة براون، وإن جاءت متأخرة، إلا أنها تضع النقاط على الحروف وتكشف المستور: أن ما يسمى بـ”اللوبي الإنساني”، الذي يختبئ خلف ستار الحياد وحقوق الإنسان، هو في الحقيقة أحد أبرز أعمدة الدعم السياسي والإعلامي للمليشيات الحوثية الإرهابية. تصريحات براون ليست مجرد ملاحظة دبلوماسية من مسؤول سابق، بل هي شهادة إدانة كاملة لدوائر القرار الدولي، والمنظومات الأممية، والمنظمات الحقوقية التي تدّعي الحياد بينما تغض الطرف، بل وتتواطأ بشكل سافر، مع أبشع جماعة عنصرية مسلحة في تاريخ اليمن الحديث. حين يتحدث سفير بريطاني سابق عن الضغوط التي مورست عليه من قبل منظمات يفترض أنها تعمل لحماية المدنيين، فالمعنى واضح: ثمة لوبي منظم، يدّعي العمل الإنساني، لكنه يفرض سياسات تخدم المليشيات وتعرقل جهود إنهاء الانقلاب. هذه ليست مبالغة، بل حقيقة مدعومة بالأفعال والنتائج. براون لم يكتفِ بكشف الضغوط، بل أشار بوضوح إلى أن الحوثيين مارسوا انتهاكات وحشية شملت الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والإخفاء القسري، في مناطق سيطرتهم، دون أن تتحرك هذه المنظمات لا لإدانة تلك الجرائم، ولا حتى لتوثيقها بجدية. فهل هذه منظمات حقوقية، أم أدوات سياسية لها أجندات خفية ؟ عندما فرض المجتمع الدولي اتفاق ستوكهولم على الحكومة اليمنية والتحالف العربي في نهاية 2018، كان من المفترض أن يكون هذا الاتفاق خطوة نحو السلام. لكن الحقيقة أن الأمم المتحدة، وتحديدًا مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، مارس ضغوطًا مكثفة لإيقاف تحرير الحديدة، ما منح الحوثيين وقتًا ومساحة لإعادة ترتيب صفوفهم وتعزيز قبضتهم على الميناء الحيوي. والمثير للغضب أن الحوثيين لم يلتزموا بأي بند من بنود الاتفاق. لم ينسحبوا من الميناء، لم يسلموا إدارته، واستمروا في نهب المساعدات وتحويلها إلى السوق السوداء. ومع ذلك، لم تُتخذ بحقهم أي إجراءات رقابية أو تنفيذية. بل إن الأمم المتحدة نفسها تحولت إلى حاضنة دبلوماسية لانتهاكاتهم، ووسيط خامل لا يملك إلا لغة البيانات الفضفاضة التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع. منظمات مثل “أوكسفام” و”العفو الدولية” التي يفترض أن تكون حارسة لحقوق الإنسان، أصبحت وفق ما جاء في تصريح براون، أدوات ضغط لصالح ميليشيا لا تعرف من الإنسانية شيئًا. هذه المنظمات، التي لطالما أغرقت الساحة بالتقارير الموجهة ضد التحالف العربي، غضّت الطرف مرارًا وتكرارًا عن الانتهاكات الحوثية: تجنيد الأطفال، تكميم الأفواه والخطف والاعتقال القسري، تفخيخ المدارس، تفجير المنازل، وقصف الأحياء السكنية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة. فأين هي تقاريرهم عن النساء المختطفات ؟ عن الصحفيين والناشطين الذين يقبعون في زنازين الحوثي منذ سنوات ؟ عن المجاعة التي تفتك بأطفال اليمن بينما الحوثي يخزن المساعدات ويبيعها في السوق السوداء ؟ ما يسمى بـ”اللوبي الإنساني” وهو تحالف غير رسمي من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الكبرى لم يعد مجرد جهة مراقبة. لقد أصبح فاعلًا سياسيًا مؤثرًا، لكنه للأسف لا يعمل لصالح الضحايا، بل لصالح الجلاد. كل تقاريره، ضغوطه، حملاته، موجهة ضد التحالف العربي والحكومة الشرعية، في حين يمرر بوقاحة جرائم الحوثيين تحت بند “مخاوف أمنية” أو “ظروف صراع”. وهنا لا بد أن نطرح السؤال الجوهري: هل هذه المنظمات فعلاً محايدة ؟ كيف تفسر هذه الازدواجية القاتلة ؟ هل أصبحت مقرات “أوكسفام” و”العفو الدولية” صدى لأبواق الحوثيين ؟ وإذا كان السفير البريطاني نفسه قد كشف الضغوط التي مارسوها لصالح الانقلابيين، فكم من المرات مورست ضغوط مماثلة على مسؤولين وصحفيين ودبلوماسيين لم يجرؤوا على الكلام ؟ اليمنيون اليوم يُقتلون بصمت، تحت سمع وبصر “المجتمع الدولي”. يتم تجنيد أطفالهم، وتهجير عائلاتهم، وتفجير منازلهم، وكل ذلك بينما تعيش المنظمات “الإنسانية” في أبراجها الفاخرة داخل صنعاء تتفاوض وتنسّق وتتناول القهوة مع قيادات المليشيا، ثم تكتب تقارير باردة تُساوي بين الضحية والجلاد. لقد تحولت هذه المنظمات إلى جزء من المشكلة، لا من الحل. لا بل يمكن القول بثقة: لولا التواطؤ الدولي، لما استمرت سيطرة الحوثيين حتى اليوم. اعتراف إدموند براون لا يجب أن يمر مرور الكرام. هو صفعة على وجه كل من ما زال يعتقد أن المنظمات الدولية تعمل لصالح اليمنيين. هذه المنظمات اليوم وبكل وضوح تُدين الشرعية، وتبرئ الحوثي، وتمنح المليشيا أدوات البقاء تحت غطاء “العمل الإنساني”. تصريحات إدموند براون يجب أن تكون ناقوس خطر لكل من ما زال مخدوعًا بـ”الحياد الإنساني”. لقد آن الأوان لفضح هذه المنظومة الدولية التي تحولت إلى درع يحمي المجرمين ويضاعف معاناة الأبرياء. وعلى القوى الإقليمية والدولية التي ما زالت تؤمن بعدالة القضية اليمنية أن تتحرك لإعادة الاعتبار للحقيقة، ودعم الشعب اليمني في مواجهة الاحتلال الحوثي ورفاقه في المنظمات “الإنسانية”. فلا سلام مع القتلة، ولا حياد مع المتواطئين. إن واجب كل صوت حر، وكل إعلامي نزيه، وكل مسؤول شريف، أن يرفع هذه الفضيحة إلى العلن. لأن السكوت عن تواطؤ المنظمات، هو شراكة في الجريمة. وإذا لم يتحرك العالم الآن، فإن الكارثة لن تتوقف، بل ستتوسع… تحت راية “الحياد الإنساني”.