آخر تحديث :الجمعة-20 يونيو 2025-04:08م

بين المرسوم والواقع، ما الذي ينتظر سالم بن بريك؟

الأربعاء - 28 مايو 2025 - الساعة 11:11 م
د. محمد الحميدي

بقلم: د. محمد الحميدي
- ارشيف الكاتب


ليست المراسيم نهاية الطريق، وإنما البداية التي يُختبر فيها مدى قدرة الدولة على استثمار الفرص حين يكون المطلوب أعمق من تغيير الأسماء وأبعد من إعادة ترتيب الوجوه. هكذا استُقبل قرار تكليف سالم بن بريك رئيسًا للوزراء، كمحطة تحمل أسئلة الدولة اليمنية في لحظة وطنية يتقاطع فيها المأزق الاقتصادي مع التشظي السياسي، وتحتشد فيها التحديات.


إن اسم دولة رئيس الوزراء الجديد ليس غريبًا عن سجل العمل العام، لكنه لم يكن يومًا جزءًا من ضجيج السياسة أو مناورات الواجهة. فقد جاء من خلفية إدارية صلبة، من عمق الجهاز المالي للدولة، مزودًا بخبرة حسابية دقيقة، وعقل تنفيذي بعيد عن الصخب، وهذه الميزة إن كانت مفيدة في لحظة الترميم، فإنها قد تُختبر بقسوة حين يُفرض عليه التعامل مع شبكة معقدة من المصالح المتجذرة.


فأكبر التحديات التي تنتظره لا تكمن في الملفات المفتوحة فحسب، إنما في بنية الحكومة ذاتها، فقد أصبحت الحكومة حقلًا من السلطات المتوازية والمتداخلة، تشوبها تبعيات وتنازعات، وتتقاطع فيها الولاءات. وفي مواجهة هذا الواقع، عليه أن يتجاوز منطق التسيير إلى منطق التأسيس، وأن يتحلى بالشجاعة لمواجهة وزارات الأمر الواقع التي تعمل خارج نطاق السلطة المركزية.


وفي ظل هذه الواقع المركب، لا يكفي أن يكون رئيس الوزراء خبيرًا ماليًا فحسب، ولكن يجب أن يكون قائدًا سياسيًا قادرًا على نسج توافقات تضمن الاستقرار، وتعزز مناخ العمل الحكومي، وترتقي بإدارة الدولة إلى مستوى المسؤولية الحقيقية.


اما الجانب الاقتصادي لا يعرف الانتظار، ولا يصغي لحسن النوايا. فاختلال المالية، وتدهور العملة، وتراجع الإيرادات، لا يُقوم إلا بمنطق الفعل، وحده الأداء الصارم هو ما يواجه هذا الانحدار، لا الوعود ولا التبريرات، أما الناس، وقد أنهكتهم كلفة البقاء، لم يعودوا ينظرون إلى الدولة من نوافذ الخطاب، لكن من مرآة معيشتهم اليومية التي تزداد تضييقًا مع كل لحظة تأخير، وإن كانت لدى لدولة سالم بن بريك معرفة دقيقة ببنية المالية العامة، فإن جوهر التحدي يكمن في قدرته على تحويل تلك المعرفة إلى فعل يُعيد هندسة الأولويات، ويستنهض الموارد، ويدفع بالحكومة من طور التسيير العاجز إلى مقام الفعل المقاوم والمسؤول.


ثمّة خطر آخر لا يقل شأنًا، أن تُفرغ تجربته من معناها من داخل المؤسسات ذاتها، حيث يعشش التعطيل، وتُكرر الازدواجية إنتاج فشلها القديم، ويضيع القرار بين مراكز متنافرة، وفي مثل هذه البيئة، لا يكون الحياد فضيلة، إنما شكلاً من أشكال الاستسلام.


من هنا، فإن قدرته على تشكيل فريق وزاري متكامل بالكفاءة لا بالمجاملة، هي مفتاح النجاح، إذ لا يمكن محاسبته على أداء طاقم لم يختره، ولا يمكن انتظاره ليُحقق إنجازًا بأدوات مستهلكة. فالمعركة تبدأ من اختيار الطاقم، وتحسم بمدى استقلال قراره في مواجهة ضغوط الترضيات.


ويبقى الرهان الأهم مرتبطًا بموقف مجلس القيادة الرئاسي، هل سيتعامل مع رئيس الوزراء الجديد بوصفه شريكًا فاعلًا في القرار؟ أم سيبقي عليه في إطار واجهة هادئة؟ وهل سيمنحه هامش الحركة اللازم، أم سيختزله إلى منفذ للقرارات؟


قد لا يملك سالم بن بريك عصًا سحرية، لكنه يملك سجلًا مهنيًا نظيفًا، ورؤية اقتصادية، ومساحة من الاحترام. والمجتمعات الحية تمنح الفرص للأكفاء، لكنها تُدرك أيضًا أن الفرصة وحدها لا تكفي، إن لم تُحم من التآكل البطيء.


وفي معترك هذا الامتحان، تكمن ثقة الأمة في سجله المهني وهدوئه الذي لا يزيفه الصخب، فإن كان للبنيان أن يُرص، فهو يبدأ بحجرين، الإرادة الصادقة والكفاءة الثابتة. لنتابع خطواته بصمت واع، ودعمه دون ضجيج، فربما يكون صموده الهادئ البداية التي تستعيد فيها الدولة بنيتها وتحدد وجهها.