آخر تحديث :الجمعة-04 يوليو 2025-08:01م

شرعية بلا شباب: تفكيك أزمة التمثيل والقيادة في اليمن (الجزء الأول)

الأربعاء - 28 مايو 2025 - الساعة 03:23 م
مازن العسلي

بقلم: مازن العسلي
- ارشيف الكاتب


رغم أن الشباب يشكّلون الغالبية السكانية في اليمن، إلا أن حضورهم في مؤسسات الدولة الشرعية يكاد يكون رمزيًا أو هامشيًا، ولا يرقى إلى ما يليق بدورهم الطبيعي في المجتمع ولا بما تستوجبه المرحلة من تجديد في الدماء والقيادة. ورغم الخطاب السياسي المتكرر الذي يقدّم الشباب بوصفهم الأمل والمستقبل ورافعة الدولة القادمة، فإن الواقع يُظهر فجوة واسعة بين ما يُقال وما يُمارس فعليًا على مستوى القرار والسياسات.

فالخطاب الرسمي لا يكاد يخلو من الشعارات التي تحتفي بدور الشباب وتعد بتمكينهم، لكن حين ننظر إلى تركيبة الحكومة، وإلى الدوائر القيادية والإدارية والدبلوماسية، نكاد لا نجد أي حضور مؤسسي حقيقي لجيل الشباب، فضلًا عن الكفاءات الصاعدة التي راكمت تجربة عملية وأكاديمية داخل الوطن وخارجه. فما يحدث غالبًا هو تدوير للنخبة التقليدية نفسها، واستمرار في الاعتماد على أسماء تجاوزت الستين والسبعين من العمر، وكأن المشهد العام لا يحتمل التجديد، أو كأن المناصب استحقاقات دائمة لا تُمَسّ.

هذا التدوير المتواصل للوجوه، دون أي ملامح لتداول حقيقي أو تجديد نابع من إدراك استراتيجي، لا يُقصي الشباب فقط، بل يبعث برسالة سلبية: أن الطريق إلى المسؤولية ليس مفتوحًا للكفاءة بل مغلق بوجهها، وأن المعيار ليس ما تملك من خبرة أو رؤية، بل ما تملكه من ولاء سياسي أو ارتباط شخصي. وفي ظل هذا الواقع، يجد الشباب أنفسهم مُبعدين من الفعل السياسي الوطني، ومُحاصرين في الهامش، ومُطالبين بالصمت، وكأن وجودهم لا يتعدى الصور التذكارية في مناسبات الدولة.

إن أخطر ما يترتب على هذا الغياب ليس فقط تراجع التمثيل العددي، بل اهتزاز ثقة الجيل الشاب بمؤسسات الدولة ذاتها. فحين يرى الشباب أن التغيير لا يحدث، وأن مساحات الأمل تُضيق، فإن ذلك يدفع بعضهم للعزوف عن المشاركة، ويدفع البعض الآخر للبحث عن أطر بديلة خارج مؤسسات الدولة، سواء كانت منظمات مجتمع مدني، أو كيانات حزبية طارئة، أو حتى مسارات فردية لا تعترف بمركزية الدولة أصلًا. التهميش لا ينتج فقط الغياب، بل ينتج النفور، ويحول المشاركة إلى خيار بارد، لا ينبني على قناعة أو شعور بالمسؤولية.

الحديث عن تمكين الشباب في مثل هذه اللحظة الحرجة ليس ترفًا سياسيًا ولا ترفًا إعلاميًا، بل ضرورة وطنية. إذ لا يمكن لدولة تواجه حربًا متعددة الأبعاد، وتحاول استعادة شرعيتها وبناء مؤسساتها وتثبيت صورتها داخليًا وخارجيًا، أن تفعل ذلك بمنطق تقليدي، أو بأدوات فقدت فاعليتها. إن إشراك جيل جديد ليس مجرد استجابة لضغط ديمغرافي، بل هو استثمار في الفاعلية والابتكار والمرونة، وهي صفات يحتاجها صانع القرار في زمن الأزمات أكثر من أي وقت آخر.

فهل آن الأوان لأن تدرك الشرعية أن التمثيل العادل للشباب في مفاصل الدولة لا ينتقص من أحد، بل يُضيف إلى الجميع. وإن فتح الطريق أمام الطاقات الشابة لا يعني إسقاط الأجيال السابقة، بل يعني استكمال مشروع بناء الدولة بشراكة عادلة، يكون فيها الماضي والخبرة امتدادًا لا عائقًا، ويكون فيها المستقبل مسؤولية مشتركة لا عبئًا مؤجلًا.