آخر تحديث :الخميس-26 يونيو 2025-09:05م

دولة الفساد العميق

الثلاثاء - 27 مايو 2025 - الساعة 07:47 م
عبدالناصر محمد العمودي

بقلم: عبدالناصر محمد العمودي
- ارشيف الكاتب


الدنيا مليئة بالعجائب والغرائب، ولعل من أعجبها في اليمن أن نرى من لا يزال يُمجّد عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ويصوّره على أنه "العصر الذهبي"، مترحمين على الماضي بالمقارنة مع الواقع المتردي اليوم، متناسين أن ما نعيشه من حروب ودمار وانهيار اقتصادي ما هو إلا نتيجة مباشرة لثلاثة عقود من الفساد المنهجي الذي رعاه صالح وحاشيته.


لقد استباح النظام السابق خيرات اليمن ونهب ثرواته، وأغدق على الموالين من مشايخ وقادة قبليين وعسكريين بالمال والنفوذ، حتى تحولت الدولة إلى "عزبة" تتحكم بها قلة قليلة، بينما أصبح المواطن اليمني كالغريب في وطنه، أداة لخدمة نخبة امتهنت التسلط والنهب.


ويكفي أن ننظر إلى بعض مدن الخليج لنجد "نسخًا مصغرة من صنعاء" في هيئة عقارات واستثمارات، تموّلت بثروات يمنية منهوبة. أموال كان يُفترض أن توجَّه نحو التنمية والبنية التحتية والصحة والتعليم، لكنها تحولت إلى مشاريع شخصية لأبراج وأسهم وجوازات سفر وولاءات هجينة.


حقبة النهب المنظم بالأرقام


تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الرئيس السابق جمع ثروة تصل إلى 60 مليار دولار، نُقلت إلى الخارج عبر شبكات من الشركات الوهمية، والملاذات الضريبية، وحسابات مصرفية في دول مثل الإمارات وسويسرا وسنغافورة[^1]


عقود الغاز وبيع اليمن بثمن بخس


من أبرز وجوه الفساد الاقتصادي عقد الغاز المسال مع شركة توتال الفرنسية في عام 2005، حيث تم بيع الغاز اليمني بأسعار متدنية لا تعكس قيمته السوقية، مما كبّد الدولة خسائر بعشرات المليارات من الدولارات. لم تُبرم هذه الصفقات بشفافية، بل عبر وسطاء مقربين من عائلة الرئيس، مقابل عمولات ضخمة[^2].


ولا يقتصر الأمر على الغاز؛ فقد امتد الفساد إلى الموانئ والجزر الاستراتيجية مثل ميناء عدن، وبلحاف، وميون، وسقطرى، حيث تم توقيع عقود استثمار وتأجير تفتقر لأبسط قواعد القانون والرقابة، وكلها صُممت لخدمة مصالح أفراد لا مصالح شعب.


وفي عهد الرئيس السابق صالح، تحولت المؤسسة العسكرية إلى شركة عائلية يقودها نجله أحمد علي عبدالله صالح، للسيطرة على المشاريع والمقدرات. كما سمح الرئيس السابق للطائرات الأمريكية بتنفيذ غارات جوية على الأراضي اليمنية، ليس فقط بموافقته، بل بدعمه وتسهيله، لاستخدام ذلك كورقة ابتزاز سياسي ومالي ضد دول الخليج[^3].


ومع الوقت، أصبحت سماء اليمن مستباحة بالكامل، ممهّدة لتدخلات خارجية متتالية، حتى خرج قرار الحرب والسلم من أيدي اليمنيين أنفسهم، نتيجة للتفريط المتعمد في السيادة.


المدرسة الصالحية

من أبرز نتائج عهد صالح أن من تولوا الحكم بعده كانوا تلاميذ في مدرسته الفاسدة؛ تربّوا على ثقافة النهب وتقديم المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية. لذا كان من السهل على قوى الخارج شراؤهم بأثمان بخسة وتمرير أجنداتها من خلالهم تحت غطاء مشاريع سياسية واقتصادية مشبوهة.

حتى مشروع الوحدة اليمنية، رغم أهميته، تم إفساده على يد النظام، إذ بدلًا من أن يكون وحدة مدنية مؤسساتية، أصبح وسيلة للهيمنة القبلية والعسكرية، ما جعل الجنوب تابعًا لا شريكًا، وأسهم في تغذية النزعات الانفصالية لاحقًا.


الخاتمة: من الدولة إلى العائلة


لم يكن عهد علي عبدالله صالح عهد "دولة" بمفهومها الحديث، بل كان عهد العائلة والمشيخة والصفقات. حكم بمنطق الغنيمة لا بمنطق القانون. ضاعت ثلاثون سنة من التنمية والإصلاح، وترسخت جذور الفساد العميق، وتحوّل اليمن إلى ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية، تمهيدًا لما نعيشه اليوم من كوارث.


إن ما نراه اليوم من تدخلات إقليمية ودولية، ليس سوى امتداد طبيعي لنهج صالح، الذي دأب على بيع السيادة مقابل حفنة من الذهب والنفوذ، وهي الحقيقة التي يُصر البعض على تجاهلها، متناسين أن من زرع الفساد لا يمكن أن يورث سوى الخراب.



---


الهوامش والمراجع:


[^1]: United Nations Security Council. (2015). Final report of the Panel of Experts on Yemen submitted pursuant to Security Council resolution 2140 (2014).

https://www.securitycouncilreport.org/atf/cf/%7B65BFCF9B-6D27-4E9C-8CD3-CF6E4FF96FF9%7D/s_2015_125.pdf


[^2]: Reuters. (2015). U.N. experts say Yemen's Saleh amassed up to $60 billion.

https://www.reuters.com/article/us-yemen-saleh-idUSKBN0LZ2KM20150225


[^3]: WikiLeaks. (2005–2010). US Embassy Cables on Yemen.

https://wikileaks.org/plusd/?q=yemen



---


e.g.PME ABDULNASER ALAMOUDI