يأتي الثاني والعشرون من مايو كل عام محمّلًا برمزيّة كبرى، فهو اليوم الذي أعلن فيه اتحاد شطري اليمن – شماله وجنوبه – تحت راية واحدة في عام 1990، ليكون يومًا مفصليًا في تاريخ اليمن الحديث. غير أن هذا اليوم، الذي يفترض أن يكون عيدًا وطنيًا جامعًا، لم يعد كذلك لدى الكثير من اليمنيين.
لقد انقسم الشارع اليمني حول هذا اليوم إلى رؤيتين متناقضتين:
رؤية أولى تنظر إلى 22 مايو كمنجز وطني كبير، بوصفه تجسيدًا لحلم طالما راود اليمنيين: "الوحدة"، باعتبارها الطريق نحو القوة، والاستقرار، والتنمية، وأن توحيد الجغرافيا والسيادة كان ضرورة لاستكمال الهوية اليمنية الجامعة.
أما الرؤية الثانية، فترى في هذا اليوم مأساة وطنية، لا سيما في الجنوب، حيث يعتبره البعض بداية لحقبة من الإقصاء والاستحواذ، ضُربت فيها مؤسسات الدولة التي كانت قائمة هناك، وسُلبت الحقوق، وتحوّل فيها الحلم إلى كابوس سياسي واقتصادي واجتماعي.
يقولون: لم تكن الوحدة شراكة، بل ضمًا وإلحاقًا، ولذا فإنهم لا يرون في 22 مايو إلا تاريخًا مشؤومًا يجب أن يُعاد النظر فيه.
وهنا، لا بد من مصارحة وطنية: الوحدة ليست مجرد تاريخ يُحتفل به أو شعار يُرفع في المناسبات. الوحدة الحقيقية تقوم على العدل، والشراكة، والاحترام المتبادل، والتوزيع العادل للسلطة والثروة. ما لم يتحقق هذا، فإنها ستبقى محل جدل، وقد تتحوّل إلى عامل انقسام لا إلى جسر عبور نحو المستقبل.
إننا اليوم بحاجة إلى وعي سياسي ناضج يدرك أن الخلاف حول 22 مايو لا يقلل من وطنية المختلفين، بل يعكس حجم الجرح الذي لم يندمل بعد، ويضع أمام الجميع سؤالًا وجوديًا: هل نريد وحدة شكلية تُفرض بالقوة، أم وحدة حقيقية تُبنى بالثقة والحقوق والمواطنة المتساوية؟
ختامًا، لعل الجيل الجديد من اليمنيين قادر على فتح هذا الملف بشجاعة، لا لتمزيق الذاكرة، بل لإعادة كتابتها بما يضمن دولة عادلة، تحفظ كرامة الجميع، شمالًا وجنوبًا.