آخر تحديث :الأحد-17 أغسطس 2025-05:47م

إعلان فك الارتباط في الذكرى الحادية والثلاثين

الأربعاء - 21 مايو 2025 - الساعة 12:11 م
محمد عبدالله المارم

بقلم: محمد عبدالله المارم
- ارشيف الكاتب


تُطلّ الذكرى الحادية والثلاثون لإعلان فك الارتباط لتُذكّر الجميع بذلك اليوم الحاسم الذي أعلن فيه الرئيس الجنوبي علي سالم البيض، في الحادي والعشرين من مايو 1994 إنهاء الشراكة مع الجمهورية العربية اليمنية، وعودة دولة الجنوب إلى سيادتها. وقد جاء ذلك القرار المصيري ردًّا مباشرًا على العدوان العسكري الغادر الذي شنّه نظام علي عبدالله صالح ضد الجنوب، في خيانة صارخة لوثيقة العهد والاتفاق التي رعتها المملكة الأردنية الهاشمية، بقيادة الملك الراحل الحسين بن طلال، في العاصمة عمّان.

منذ اللحظة الأولى أطلق نظام صنعاء على هذه الحرب اسم (حرب الردة والانفصال)، وهي تسمية عميقة الدلالة لا تزال تحمل إلى يومنا هذا أبعادًا يجب أن تدركها الأجيال الجديدة، وتفهم ما تحمله من معانٍ ترتبط بمرحلة تاريخية مليئة بالألم والخذلان والانكشاف السياسي.

لم يكن الصراع وليد لحظته بل هو أعمق من ذلك، وهو الأجدر بالتأمل في ظل واقع سياسي مشحون بعد ثلاثة عقود.

عدن، المدينة ذات النهج المنفتح، تواجه غزو الرجعية بكل ما فيه من عصبيات دينية وقبلية ومناطقية. صراع واضح بين الجهل والنور وبين الباطل والحق.

وإن كنت حينها طفلًا في السادسة من عمري إلا أنني اليوم أدرك حجم تلك اللحظة التي عاشها الجنوب وأفهم ما مثّله إعلان البيض لفك الارتباط عن صنعاء من تحوّل تاريخي في مسار قضيتنا.

لقد كان إعلان البيض لفك الارتباط عن صنعاء محطة وعي أدرك فيها الجنوبيون وإن جاء هذا الإدراك متأخرًا ( حجم الخطأ الذي وقعوا فيه حين انساقوا خلف شعارات قومية مضللة.)

آمن الجنوب بالمشروع القومي وبوحدة المصير العربي وفتح أرضه لكل الحركات التحررية العربية من اليمن وعُمان وفلسطين. إلا أن كل ذلك جوبه بطعنات الغدر والخذلان.

ومع صيف 1994 جاءت الكارثة الكبرى حين عبرت المجنزرات اليمنية أرض الجنوب، ترافقها عناصر مستوردة تُعرف بـ(الأفغان العرب) الذين أمطروا البيوت بالقذائف وكفّروا أهلها ونزعوا عنهم إنسانيتهم باسم الدين.

كان الجنوب أول شعب يتعرض لفتوى تكفير جماعية في التاريخ الحديث.

فرضت صنعاء على الجنوب واقع النهب والسلب، مستندة إلى فتاوى جماعات التطرف التي كانت جماعة الإخوان في مقدمتها. وقد وجدت الجماعة فرصة للانتقام من النظام الجنوبي، الذي كان قد أغلق أمامها الأبواب ومنع أنشطتها منذ تأسيس الدولة الوطنية.

استغل التنظيم الدولي للإخوان التسهيلات التي قدمها نظام صالح لتحويل الجنوب إلى ساحة مفتوحة للإرهاب. فظهر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وبدأت هجماته الإرهابية، وصولًا إلى استهدافه لبعض دول الجوار .

لكن تلك الحقبة لم تدم، إذ سرعان ما اندلعت انتفاضة المكلا عام 1997 ثم جاء الحراك الجنوبي السلمي في 2007 من ردفان، ليعيد بعث الروح الوطنية الجنوبية في وجه كل مشاريع الإقصاء والتهميش، رغم التجاهل الذي مارسته المبادرة الخليجية، والإقصاء الفاضح في مؤتمر الحوار الوطني.

ثم جاءت عاصفة الحزم لتعيد خلط الاوراق وتُظْهِرَ وجه الحقيقة

فالذين اجتاحوا الجنوب في 1994 أعادوا الكرّة مع الحوثيين في 2015 لكن هذه المرة لم يكن الجنوبيون وحدهم كان إلى جانبهم رجال من بعض دول المنطقة.

كان لهم الدور الكبير في تحرير عدن وبقية المحافظات الجنوبية من قبضة الإخوان والقاعدة وداعش.

ومع الذكرى الحادية والثلاثين لفك الارتباط يجب على هذا الجيل المعاصر أن يدرك أن معركته لا تقتصر على استعادة جغرافيا الدولة الجنوبية، بل تشمل أيضًا استعادة روح الجنوب التنويرية، وهويته الفكرية والمذهبية الوسطية التي ميزته على امتداد تاريخه.

إن الجنوب منذ فجر التاريخ كان مهداً للحضارات وموئلًا للتنوير والتسامح. وإذا كان لهذا الجيل من دور، فهو في أن يصنع استقلاله الثاني بوعي بتحصينه من الأفكار الظلامية وانفتاحه على العلم، وإحيائه لقيم أجداده التي قامت على العدل والتعايش.

ختاما:

هذه الأرض التي رفضت الخضوع في وجه الدبابة والفتوى تستحق أن يُصاغ مستقبلها بيد أبنائها، لا بقرارات الغزاة ولا بموائد التسويات المشوهة