آخر تحديث :الخميس-26 يونيو 2025-09:36م

السفارة... وحارس العمارة!

الأحد - 18 مايو 2025 - الساعة 04:08 م
عبدالناصر محمد العمودي

بقلم: عبدالناصر محمد العمودي
- ارشيف الكاتب



تتقاطع المصالح أحيانًا في أماكن لم نكن نظن أنها ستلتقي. ومن بين هذه التقاطعات، ما يحدث بين "حارس العمارة" وموظفي بعض السفارات؛ فكلاهما قد يُمارس أدوارًا تتجاوز مهمته الأساسية، فيتحول من خادمٍ للمصلحة العامة إلى مستغلٍ للنفوذ والمكانة، يخدم زمرةً ضيقة على حساب حقوق الضعفاء والمحتاجين.


لم تعد بعض السفارات تمثّل المواطن، بقدر ما أصبحت عبئًا عليه. فهي – في كثير من الأحيان – تتحوّل من مؤسسات يُفترض بها أن ترعى مصالح رعاياها وتساعدهم، إلى منصّات لفرض الإتاوات والرسوم الباهظة، في صورة من صور الاستغلال المنظَّم تحت غطاء الإجراءات الإدارية.


بطاقة الهوية الوطنية... حق لا يُباع!


من أبسط حقوق المواطن أن تُصدر له بطاقة الهوية مجانًا. هذا هو المبدأ في أي دولة تحترم نظامها ومواطنيها، ولا يُعقل أن تُربط المعاملات بإصدار الهوية أو تُفرض عليه رسومٌ لتجديدها.


وهنا يبرز السؤال الجوهري:

أين تذهب الأموال التي تُجبى في السفارات؟

ومن هي الجهة الرقابية الفعلية على هذه التصرفات؟


خاصةً أن القانون والدستور اليمني يُجرّمان فرض الجبايات غير القانونية على المواطنين والمغتربين، ويؤكدان على مجانية الهوية الوطنية وغيرها من الحقوق. فهل ما يحدث من استغلال من قِبل "حراس العمارة" يتم بعلم من الحكومة والوزير؟


أختام وسندات خارج القانون


الواقع يكشف عن ممارسات أكثر خطورة، منها فرض رسوم مبالغ فيها على معاملات بسيطة، مثل التصديقات أو الخطابات التعريفية، واستخدام سندات تُطبع خارج الدائرة الرسمية، في ظل غياب رقابة فعلية.وإن وُجدت رقابة، فإن التواطؤ غالبًا ما يكون سيد الموقف.

فإذا كان الرقيب متواطئًا، فمن سيراقب الرقيب؟!


الشؤون القانونية... والقنصل الغائب


من المهم أن يدرك القنصل الدور المنوط به، وأن وظيفته تكليف لا تشريف. وينطبق الأمر كذلك على بقية الأقسام، وعلى رأسها الشؤون القانونية التي لا تكترث لما يتعرض له رعايا اليمن من تجاوزات، سواء كانت منتظمة أو عابرة. و بالسكوت عن هذه التجاوزات، تتطور المضايقات وتتحول إلى ممارسات أكثر تعقيدًا وتشعّبًا.وكل هذا نتيجة عن ضعف الإدارة قبل ضعف الإرادة؛ إذ يرى البعض أن الوظيفة مجرد أجرٍ ومسمى، بينما تُعدّ مشاكل المغتربين – في نظرهم – منغصات تعكر صفو مناصبهم وتكيفهم فيها.


لذا، فإن اختيار التعيينات يجب أن يكون مرهونًا بثقة الجالية، كما أن الشكاوى يجب أن تُرفع مباشرة إلى السفير وفق التسلسل الإداري، مع تجريم التهاون في استقبال الشكوى أو طيّها دون إجراء.


رؤية للإصلاح... لا للتشهير فقط


النقد وحده لا يكفي، ما لم يكن مصحوبًا برؤية واضحة للإصلاح الإداري. ومن هنا، نقترح ما يلي:


1. قصر دور موظفي السفارات على تنفيذ الإجراءات الإدارية فقط، دون تدخلات خارج اختصاصهم أو تحصيل مبالغ نقدية تحت مسمى "الصندوق".


2. إصدار لائحة واضحة للخدمات القنصلية، تستند إلى القانون اليمني، خصوصًا ما يتعلق بإصدار الهوية الوطنية وجوازات السفر.


3. إقرار مجانية الهوية الوطنية، باعتبارها حقًا دستوريًا لا يجوز المتاجرة به.


4. إنشاء حسابات بنكية رسمية تُودَع فيها الرسوم القانونية، وتحويلها مباشرة إلى البنك المركزي اليمني، دون المرور بأي حسابات وسيطة، ويكون دفع قيمة اي تعامل عن طريق الإيداع على هذا الحساب بحوالة بنكية.


5. اعتماد عملة الدولة المستضيفة في جميع المعاملات، دون فرض الدفع بعملة أجنبية، التزامًا باللوائح والنظم.


6. تمكين المواطن من الاعتراض على أي رسوم غير مبررة، مع منحه حق استئناف الإجراءات دون دفع مسبق، على أن يُحال الأمر إلى المحكمة الإدارية للفصل إن لزم.


7. تشكيل هيئة رقابية تطوعية تمثّل مختلف المحافظات، دون السماح بالهيمنة لمكوّن جغرافي واحد، ضمانًا للشفافية والتوازن.


وختامًا...


السفارة ليست "عمارة"، ولا موظفوها "حراس بوابات" يتحكمون في معاملات المغتربين.


السفارة وجه الوطن في الخارج، ومتى شُوّه هذا الوجه – من قبل بعض المنتسبين إليها، أيًّا كانت جنسياتهم – ضاع المغترب بين طوابير الذل، ورسوم الابتزاز.


e.g.PME ABDULNASER ALAMOUDI