آخر تحديث :الأحد-15 يونيو 2025-12:04ص

كلمة لابد أن تُقال

السبت - 17 مايو 2025 - الساعة 04:33 م
سناء العطوي

بقلم: سناء العطوي
- ارشيف الكاتب



أنا امرأة من الجنوب… من أرضٍ أكلها التعب، ودفن في ترابها الأمل مرارًا، ثم كنا نعود لننقّب عنه من جديد كأننا لا نعرف اليأس.


أكتب الآن وقلبي ثقيل، وروحي مخنوقة بوجع لا يعرفه إلا من عاش هنا، بين الظلام والانقطاع، بين الطوابير والغلاء، بين الظلم وصوت لا يُسمع.


خرجنا.

نعم، نحن النساء خرجنا، لا من أجل السياسة ولا لأجل فتنة، بل لأن الكرامة لها صوت، ولأن الجوع حين يصل إلى العظم، يسقط معه الخوف.


خرجنا نطالب بالرواتب التي تُسرق أمام أعيننا، خرجنا نطالب بكهرباء لا نراها إلا دقائق، خرجنا نصرخ لأجل أطفالٍ ينامون على البلاط من شدة الحر، ويصحون على جوع لا يرحم.


كنا نصرخ، لا لنخيف أحدًا، بل لنُسمع من لا يريد أن يسمع:

"أين المرتبات؟ أين الكهرباء؟ أين أنتم؟!"


كنا نخطو بأقدامنا بين الغضب والخذلان.

نحمل لافتات كتبتها أيدٍ ارتجفت من التعب، وهتافات خرجت من صدورٍ أحرقتها السنين.

لكن الرد لم يكن رحيمًا.

سُخر منا، صُودرت أصواتنا، قيل لنا "ارجعن"، وكأننا خُلقنا فقط للسكوت!


أيُّ وطنٍ هذا الذي لا يستحي من أمهاته وهن يصرخن؟

أيُّ جنوبٍ هذا الذي يرى نساءه يُهَنَّ في الشوارع، ولا يرتجف؟

كأننا لا شيء… كأننا غبار يمشي على الهامش.


نحن لسنا عارًا.

نحن من ربى هذا الجنوب، من علّمه كيف يحب، من صبر على الجوع والقهر والحرب، ثم يُقال لنا: "مكانكنّ البيت!"

والبيت لم يعد بيتًا حين يُظلم، حين ينطفئ فيه النور، حين يُهدد فيه الرغيف.


والله، لسنا نطلب سوى حقنا، حق كل إنسان: حياة بكرامة.

راتبٌ لا يُنهب، كهرباء لا تُقطع، دواءٌ لا يُذلّ، وماء لا نشتريه بدين.

هل هذه مطالب تعجيزية؟!


أقولها وأنا أمشي في شوارع مدينة مات فيها الأمل واقفًا:

نحن النساء خرجنا لأنكم صمّتم، لأن السكوت جريمة، ولأننا تعبنا.


وحتى إن خذلنا الجميع، حتى لو قيل إننا عيب، وإن صوتنا عورة…

سنبقى، وسنقول، وسنكتب، لأن هذه كلمة… لابد أن تُنقال.


الكاتبة: سناء العطوي