حضرموت، الأرض التي تعاقبت عليها الحضارات، واحتضنت التاريخ في صمت الموانئ وصبر الجبال، منذ ارم ذات العماد الى الاحقاف، أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف موقعها في الخارطة السياسية في الجزيرة العربية، انه طموح آن اوانه ليُترجم إلى واقع مستقر ومزدهر. وتضامنا مع حملة مؤتمر حضرموت الجامع لتعزيز الوعي المجتمعي بالحكم الذاتي لحضرموت كخيار استراتيجي في جميع المديريات بما فيها مديرية ميفعة الحضرمية، نفذت اللجان المحلية ومنظمات المجتمع المدني في هذا الاتجاه عدة برامج لتعزيز الوعي المجتمعي بالحكم الذاتي لحضرموت.
حضرموت اختارت ان تعلن عن بدء مرحلة جديدة ، وهي رسالة واضحة ان حضرموت ليست مساحةً فارغة تنتظر من يملأها مجددا بمشاريع كرتونية، إنه وعيٌ متراكم، وهويةٌ لها جذور أعمق من كل كيان طارئ قد يتسلق من خارج حدود حضرموت . فحين تعلن حقها في الحكم الذاتي، فإنها تتنفس بعد اختناق دام طويلا. ان الاستخدام الفجّ للخطاب السياسي الصادر عن أعداء قضية حضرموت، ليس الا اختطاف للمفاهيم، وممارسة الخداع تحت غطاء الوطنية وكسرٌ لقانون الحفاظ على الطاقة الأخلاقية لشعب جنوب اليمن، والمفارقة أن هذا الاستخدام السيئ للسياسة، وهذه الأكاذيب الملفوفة بشعارات التحرير القادمة من معسكراتهم في عدن ، لا تلغي الحقيقة، بل تؤكدها. فكلما ازداد الضغط على حضرموت، ازداد وعيها. وكلما زاد الهجوم ، تجذّر مطلب الاستقلال..
العقلية الحاقدة التي تحاول اليوم فرض الوصاية على حضرموت، ومنعها من مجرد الحديث عن حقها في تقرير المصير، هي نفس العقلية التي حكمت الجنوب بالحديد والنار في عقود سابقة. هي نفسها التي أوصلت الجنوب إلى الدم والانقسام، وها هي اليوم تعيد إنتاج ذات الخطاب الإقصائي، ولكن بوسائل إعلامية وخطابات مشحونة بالتضليل والكراهية.
لقد اجمع الحضارم على ان أي مشروع لجنوب اليمن واي مشروع يمني لا يعترف بحق حضرموت في تقرير مصيرها هو مشروع باطل، ساقط أخلاقيًا وسياسيًا، ولا يختلف في شيء عن أي قوة احتلال خارجي. وإن من يرفض اليوم استقلال حضرموت، ويسعى لجرّها بالقوة إلى مشروع لم تشارك في صياغته، هو خصم مباشر لطموحات شعبها وعدوّ صريح لإرادته الحرة.
لسنا بحاجة إلى من يخبرنا من جنوب اليمن، ما الذي يليق بنا وما لا يليق. حضرموت لا تحتاج إذنًا من أحد لتختار طريقها، ولن تقبل بعد اليوم بأن تُدار من معسكرات عدن أو عبر منصات الإعلام المأجورة. زمن الطاعة العمياء انتهى، وزمن الوصاية سقط مع أول صوت حضرمي طالب علنًا بحق الاستقلال والقرار السيادي.
حضرموت ليست "الحلقة الاضعف " كما يظن البعض، ولا يمكن لأحد أن يفرض عليها خريطة لا تمثلها. من يتحدث عن "مشروع جنوبي مركزي" ويرفع شعار ضرورة استخدام العنف تجاه حضرموت، و يهاجم ويهدد رموزها ويتآمر على استقلال قرارها، فعليه ان يعيد النظر في إعدادات قضيته . إن القيادات الجنوبية المعاقة عقليا لم تتعلم من أخطائها السابقة، بل انها تكاد تكون قد توارثت الإعاقة العقلية، حيث يغلب عليها المزاج الشخصي في التلاعب بقضايا الشعوب.
حضرموت اليوم لا تطلب صدقة سياسية، بل تستعيد طبيعتها التي سُرقت. فاختارت أن تكون كما هي، لا كما يريدها الآخرون أن تكون، حينما تتحول المطالبة بالحق إلى تهمة، وتُواجه الأصوات الحرة بالتشويه، نعلم أن مشروعًا كبيرًا يحاول أن يُولد من رحم المعاناة، وسيبقى في الذاكرة ذلك الهجوم الشرس على حضرموت، الذي يعكس طريقة التفكير الاستبدادي والهيمنة والإقصاء التي تختفي داخل المشروع الجنوبي، وسيتضح أن الصوت الحضرمي، لم يكن يومًا نشازًا، بل نغمة أصيلة في لحن نشيد دولة حضرموت.
ان التعاطي مع تطلعات حضرموت لا يجب أن يكون بمنطق السيطرة أو الإلغاء، بل يجب أن يكون مدخلًا جادًا لمراجعة العلاقة بين حضرموت والجنوب على أساس الندية والاحترام المتبادل، وإن تجاهل هذا الواقع لن يؤدي إلا إلى المزيد من العداء .