في لحظة صمت تتخلل ضجيج الحياة قد نسمع نغمة خافتة تمر بين نبضات القلب نغمة ليست من صنع آلة ولا صدى لصوت بشري بل هي لحن الحياة ذاتها تسري في الأرواح كما تسري الموسيقى في أوتار العود وتعزفها الأقدار على أوتار مشدودة بين الأمل والخذلان بين الحب والحرب بين الولادة والموت ومن هنا يمكن القول إن الحياة ليست سوى نغم ووتر.
ليست الحياة صاخبة دائما ولا حزينة أبداً بل هي معزوفة تتقلب بين المقامات وتتنقل بين الألحان تبدأ بأنين يشبه نشيج طفل ولد لتوه وتختم غالبا بنغمة أخيرة هادئة تعزف حين يسكن الجسد للأبد بين هذين الطرفين يعزف الإنسان نفسه على وتر الأيام يحاول أن ينسج من فوضى المشاعر لحنا متماسكا حتى وإن تعثرت أنامله أو انكسر وتر في لحظة يأس.
لكل إنسان في هذا العالم لحنه الخاص موسيقاه التي لا يسمعها سواه منا من يختار العزف في وضح النهار بين الناس وفي قلب الضجيج ومنا من يفضل العزف في الظلام حيث لا أحد يراه ولا يسمع نشازه أو انسجامه ومنا من يبدع في تأليف ألحانه رغم الجراح ومنا من يسكت عن الألم حتى يكسر صوته.
الحياة نغمة لا تتكرر فإن كنت تحب الحياة احرص أن تعزف لحنك بصدق حتى لو كان بسيطاً حتى لو لم يطرب أحداً سواك لا تقلد ألحان الآخرين فكل وتر في روحك خلق ليحمل نغمة مختلفة وكل نغمة في قلبك خلقت لتكمل لحنك وحدك.
الحياة أيضا كآلة وترية إن شددت أوتارها أكثر من اللازم انقطعت وإن تركتها مرتخية لم تنتج نغما التوازن هو سر العزف الجميل وكذلك هو سر الحياة الطيبة لا تغال في اللهو ولا تفرط في الحزن لا تقترب أكثر من الحلم حتى تحترق ولا تبتعد حتى تموت جوعا إليه عش في المنتصف واسمح لنغمتك أن تنساب بهدوء دون تصنع.
وفي لحظات الألم لا تنسَ أن بعض أعذب الألحان ولدت من رحم الوجع وأن أنين العود بعد ضربة خفيفة على وتره ليس إلا بداية نغمة جميلة فاجعل من ألمك صوتا ومن انكسارك دندنة وواصل العزف حتى في الليالي التي يبدو فيها الصمت أكثر حضورا من كل ضجيج.
ثمة من يعزفون بالحقد وآخرون بالحب ومنهم من يجعل الحياة كلها مقطوعة واحدة من النقاء أنت تختار أي لحن تعزف وبأي وتر وبأي نية.
وختاما تأكد أن الحياة لا تتوقف على وتر مقطوع كما لا يتوقف العزف على آلة كسرت فطالما أن في قلبك نبضا وفي روحك شغفا فبإمكانك أن تعزف من جديد عش حياتك كأنك تعزف سيمفونية لا يسمعها إلا من يحبك بصدق لأن الحياة نغم ووتر… والعازف الحقيقي هو من يبدع رغم كل ما يعانيه.