آخر تحديث :الخميس-26 يونيو 2025-08:57م

من هو العميل؟

الإثنين - 05 مايو 2025 - الساعة 07:57 م
عبدالناصر محمد العمودي

بقلم: عبدالناصر محمد العمودي
- ارشيف الكاتب



في زمنٍ تتداخل فيه الحقائق وتُزَيَّف فيه المواقف، بات من الضروري أن نعيد طرح سؤال بسيط في شكله، عميق في دلالته: من هو العميل؟ ومن يخدم قضايا الأمة؟


حين يموت ضمير العالم، وتصمّ الآذان عن فظائع الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتُغضّ الأبصار عن المجازر وحجم الدمار، يبدو وكأن العالم قد اتفق على معاقبة المظلومين لا الظالمين، بالتجويع والتشريد. دماء الأبرياء تتدفق في قاطرة الشهداء، كأنها ثمن لا بد من دفعه لقاء الكرامة والصمود.

ولعلّ ما يجري، بحكمة الله، لحظة فرز تاريخية، تسقط فيها الأقنعة، وتنكشف اللحى المصطنعة، وتُفضَح الوجوه التي طالما ارتدت أثواب العفاف والورع والزهد كذباً وزوراً.


كلّنا، أفراداً وحكومات، سنُسأل عن مواقفنا؛ عن نصرتنا للحق أو موالاتنا للباطل. وسيأتي يوم تُعرض فيه السرائر علانية، لا تحتمل التزييف ولا التبرير.


وفي وطني اليمن، أراد الله لنا أن نرى الحقائق بأعيننا، بعيداً عن المزايدات السياسية والشعارات الإعلامية. فمن جهة، هناك حكومة مختطَفة تقيم في فنادق العواصم، بعيدة عن شعبها وهمومه، وحكومة أخرى دُعِيَّة ترفع أعلام دولٍ أخرى، بل وتعلّق صور حكّام تلك الدول على صدورها. وفوق تلك التبعية البغيضة، أعادت المدن إلى عصور الظلام، لا من الناحية الأمنية أو الاقتصادية فقط، بل أيضاً من الناحية الصحية؛ فالأمراض التي اندثرت، عادت لتنهش الأجساد المنهكة بفعل إدارتهم الفاشلة.


إنها جناية حقيقية بحق شعبٍ قابعٍ تحت خطوط الفقر، يئن تحت وطأة المصائب، بينما خصومهم من "الزبانِيَة" يتسيّدون المشهد، ينهبون مقدرات الوطن، وينعمون بفتاتٍ ألقاه لهم سيدهم.


ومن جهة أخرى، هناك حكومة قائمة في صنعاء، تتعرض لحملات تشويه صباح مساء، باتهامات العمالة والخيانة، بل واتهامها بالمسرح والمسرحية تارة مع الصهاينة وتارة مع الأمريكيين.

فهل، برأيكم، تصمد هذه المزاعم أمام الواقع؟!

رغم أنها أثبتت حضورها على الأرض، وهو ما أزعج مجلساً رئاسياً مصطنعاً وُضِع بأيدٍ خارجية.


ولو نظرنا إلى المؤشرات الاقتصادية، من أسعار السلع، واستقرار السوق، والكهرباء، والسيطرة على الموارد، لوجدنا تفوقاً ملحوظاً لصالح صنعاء. وفي مشهد السيادة، اليد الأقوى في الداخل ليست بيد أولئك الذين يُحتفى بهم في الخارج، بل بيد من يفرض واقعاً ملموساً في حياة الناس.

حتى سعر الصرف، والغاز، والمستلزمات المعيشية، أقل بكثير مما هو عليه الحال في المحافظات الأخرى.


أما على المستوى الخارجي، فالمشهد أكثر قتامة. الجواز اليمني اليوم يُصنّف ضمن أسوأ جوازات العالم، وسمعة المواطن اليمني في الحضيض. والأسوأ من ذلك، أن بعض السفارات اليمنية تورّطت في بيع الجوازات لغير اليمنيين، عبر سماسرة يدّعون تمثيل الجاليات، في فضيحة تهزّ ما يُسمى بالسلك الدبلوماسي "الشرعي".


وأمام هذا العبث، نجد أنفسنا أمام ثلاث حكومات لا حكومة واحدة، ولا مشروع وطني يوحّد، بل ارتهان سياسي يتكئ على الخارج ويستمد شرعيته من غرف المخابرات. يتم الزج باليمنيين في معارك تُقدَّم كدفاع عن الأرض والعِرض، بينما الأرض تُباع، والعِرض يُهان، على أيدي من ادّعوا الحلف والولاء.

وما جرائم "الدعم السريع" ومرتزقته في اليمن، التي لم يُحاسَب أحدٌ عليها، إلا دليل على مدى الارتهان والعمالة.


ومن هنا، يتساءل الشارع اليمني: من المرتهن للخارج؟ من الذي رفع رأس اليمنيين، ومن الذي أذلّهم؟

أهو من يقصف معاقل الصهاينة بما توفر لديه من قدرات؟ أم من يتسوّل الاعتراف في ردهات السفارات والغرف الخلفية؟


أما في الداخل، فلم تأتِ حكومة عبر التاريخ أنصفت هذا الشعب ورفعت من شأنه، إلا في تجربة يتيمة تمثلت في فترة الزعيم إبراهيم الحمدي، والتي انتهت باغتياله.

ولنا أن نتساءل: أليس من يحكمون اليوم هم أنفسهم من اغتالوا مشروع الحمدي بالأمس؟


فمن هو العميل؟

أهو من يقود دولة بقرار مستقل؟ أم من يُدار عن بُعد، ويتحوّل إلى أداةٍ لتنفيذ أجندات الغير؟

وهل من يحمل جوازاً أجنبياً، وتخضع قراراته لأولياء نعمته، يُعدّ حقاً حاملاً للواء الشرف والسيادة؟ وكيف يُنصّب في وظائف عليا؟!


فأجيبوا بربكم: من هو العميل؟

حتى يرتاح الشارع اليمني من ذلك العويل.



-بقلم المستشار د. عبدالناصر محمد العمودي