في أقصى زاوية من زوايا اللامعقول، تقبع دولة لا تشبه إلا النكات المخزية. تمتلك بحارًا من النفط، لكنها مولعة باستيراد المواطير وبطاريات وألواح الشحن.
دولة تملك أراضي زراعية تكفي لإطعام قارة بحالها، لكنها تعجز عن إنتاج حبة فول. ولدينا بحار شاسعة، لا تنقصنا مياهها المالحة، بل تنقصنا خيراتها، ولو أن مياه البحر منها فائدة لشفطوها.
أسماك بحرنا تباع طازجة في أسواق الجوار بأسعار زهيدة، بينما المواطن هنا يشتريه بنكهة القهر، بسعر يجعله يتمنى لو كان نباتيا منذ الولادة.
إنها الدولة التي نجحت في تحويل ميسور الحال إلى شحات، وجعلت من السيادة الوطنية نكتة بايخة يتداولها العامة على المقاهي، وفي مقايل النبتة الشيطانية.
دولة مكونة من شوية عصابة، حكامها مختارون بعناية فائقة من كتالوج “الخدمة الخارجية”، لا يرفع أحدهم حاجبًا قبل استشارة السفارة.
وطنيتهم مؤقتة الصلاحية، تبدأ وتنتهي عند مصلحة الكفيل، يجتمعون ليلًا ونهارًا ليقرروا كيف نُعيد نفس الكارثة، ولكن بعنوان جديد؟
في التعليم، المدرسة صارت مركزًا لتعليم الغش. يتخرج منها الطالب بشهادة في "الانتظار" والتأقلم مع اللاشيء.
أما الصحة، فهي مشروع فني تجريبي: مستشفيات بلا أطباء، أدوية مهربة بلا صلاحية، وتعازي تنشر قبل التشخيص.
الكهرباء؟ تأتي مثل الزائر الثقيل، لا يُعرف موعد قدومه، لكنه حتمًا لا يطيل البقاء. أما المياه فهي نعمة مفقودة في بلد تصدر الوعود وتستورد الفلاتر.
أما المرتبات، فهي وعد مؤجل وموعود بحياة لا أحد يضمن وصولها.
الإعلام الرسمي يتحدث عن “منجزات تاريخية” لوزير مكتبه الرسمي على منصة X . أما المواطن فيبحث عن شاحن لجهازه ليسخر من تغريداته في منشور، قبل أن تنقطع عليه الشبكة.
الكل يتحدث عن الوطن، ولا أحد يعرف إن كان هذا الشيء لا يزال موجودًا فعلاً، أم أنه مجرد اسم مكتوب على البطاقة الشخصية وجواز السفر، أما "العلم" فلا توجد له عاصمة معروفة حتى يومنا هذا.
يصرّح الوزير بأن "الأوضاع تحت السيطرة"، والمواطن يتساءل، أي أوضاع بالضبط؟ هل يقصد انعدام الخدمات؟ أم احتراف الهرطقة وارتجال الكلام؟ أم حالة التخدير الجماعي التي يعيشها الشارع؟
دولة بلا سيادة، بلا مشروع، بلا خجل. تحترف إصدار البيانات، وتفشل في إصدار جواز سفر يحترمه العالم.
دولة تعيش على أنابيب النفط، لكنها تموت على أسلاك الكهرباء المنقطعة. تنظم المؤتمرات عن التنمية، بينما شعبها ينظم صفوف الانتظار أمام محطات الوقود والغاز، ويحلمون برئيس دولة محترم.
ومن سخرية القدر في هذا البلد الكمين
أن الوزير الذي فشل في قيادة وزارته، يُكافأ اليوم بمنصب رئيس مجلس الوزراء!
نعم، في هذا البلد المقلوب، كل سقوط هو ترقية، وكل كارثة هي سيرة ذاتية مخزية تؤهلك للمنصب الأعلى.
الوزير الذي حول وزارته إلى نكتة باهتة في دفتر الخيبات، أصبح اليوم قائد الأوركسترا الوطنية، أوركسترا لا تعزف سوى نشيد "ضاع الوطن!".
في بلد العجائب هذا، كلما أثبت أنك عبء على البلاد، كلما زادت حظوظك في تولّي زمامها.
إنها دولة حاضرة في الخرائط، غائبة في كل شيء آخر. نعيش فيها كأننا ضيوف غير مرغوب فيهم، في وطنٍ لا يتذكرنا إلا وقت الجباية.