في قديمٍ ليس ببعيد، خرجت علينا من خلف الكثبان المظلمة عجوز شمطاء، لا يشغلها خير ولا يرهقها واجب، تملك من الذهب ما يكفي لشراء ضمير العالم، ومن الخبث ما يكفي لإغراق كوكب في بركة من النفاق.
وفي زمان هذا الخراب، حيث تُشترى المبادئ بالعملة الصعبة ويرهن الشرف مقابل فتات المنظمات، ظهرت بوجه يقطر منه زيت المصالح، وشفاه لا تنطق إلا بلغة "التبرّع المشروط"، وقعت الواقعة.
تملك الشمطاء خزائن لا تنفد، وقلبا لا يشبع، لا تقدم العون حبًا، بل تفعله كما يطعم الصياد الطير في الفخ.
عرضت على القبائل الظمأى صفقة القرن: "أن تبنوني، أخيط لكم أثواب المساعدة على مقاسي، وأدفع لكم الإيجار الوطني مقابل أن تؤجروني عقولكم، وولاءكم، وحبال صوتكم"
فقبلت قبيلة تقطّعت بها سبل التنمية، وقُطعت عنها أسباب السيادة، كانوا بحاجة إلى “مموّل"، لكنهم ولسوء طالعهم حصلوا على "وصيّ"، يزوجهم حسب رغبته، و يربي أبناءهم، ويختار لهم أسماء تشبه أسماء موظفي مكتبها الخاص، ويتدخل حتى في خصوصيات أحلامهم، ورغباتهم.
لا تكتفي العجوز بتقديم اللقمة، بل تدير وزارة الحمية في القبيلة، وتحدد السعرات الفكرية المسموحة في أحاديث مقايلهم، ومن تجاوزها اتهم بالخيانة العظمى وبئس المصير.
صنعت منهم نموذجا من الدمى، أقرب إلى الإنسان، مخلوقات لا تحتج، لا تطالب، لا تحلم، بل فقط تشكر.
وإذا حدث وفكر أحدهم أن يثور أو يتململ، ذكر بالديون، "كل هذا الخبز الذي أكلته، والدواء الذي لم يشفك، والحبر الذي وقعت به بيانات الولاء، من دفعه؟ "
تحول أبناء القبيلة إلى كائنات مدجنة، ينشدون كل صباح: "تحيا العجوز، تسقط الاستقلالية، عاشت الرعاية المشروطة"، وتحولت القبيلة إلى كيان مؤجر، له نشيد وطني من تأليف العجوز، وأيام وطنية تختارها العجوز، وأحلام بحجم محفظة العجوز.
الدرس؟ لا تتبناك عجوز إن كنت لا تستطيع سداد الفاتورة، ولا تسلم نفسك لمن يعطيك باليمين ليأخذك كلك بالشمال.