رغم أن الوفاء والطيبة والشهامة لازالت موجودة في الناس، إلا أن المواقف في أصعب الظروف تختلف. وما أدهشني وأراحني هو موقف الشخصية الاجتماعية المؤمن الصابر المحتسب في مصابه، الجلال عبدالحليم العمودي، بوفاة نجله البكر حلمي، ذو الـ28 عامًا، الذي توفاه الله بحادث مروري وهو على سيكل، وإصابة الأخ معوض علي باشعران إصابة خطيرة، لا يزال في العناية المركزة، وذلك في حادث تصادم كان يقوده الأخ هادي أحمد العطوي من أبنائنا في أبين، الذي ليس السيارة ملكه، وإنما كان يوصلها بأجر زهيد نتيجة الأوضاع المأسوية التي أجبرت الكثير على العمل في حضرموت.
الطيبة والطيبة أهلها، ولكن المفاجأة التي أدهشتنا كانت في مروءة وشهامة الأخ عبدالحليم العمودي. لم يكن الأمر مجرد تنازل، فهذا أمر نجده عند الكثير من الناس، إذ يسامحون لوجه الله. لكن الجديد كان في شهامة ومروءة عبدالحليم العمودي، وهو مكلوم وموجوع، أن يذهب بنفسه ويصطحب معه والد المصاب الذي كان ولده في غرفة الإنعاش، ليذهبوا بأنفسهم إلى المرور لزيارة المسجون، ويكملوا إجراءات إطلاق سراحه.
ومع هذا، لم يكن لديهم علم بالإجراءات القانونية المعقدة. كانوا يتنقلون معنا من المحكمة إلى المرور لاستكمال الإجراءات منذ الصباح حتى اصطحبنا رئيس قلم التوفيق بمحكمة المرور، ياسر صالح، الذي سهل لنا الأمور احتراما للأخ العمودي، مراعاة لمرضه وارتفاع ضغطه نتيجة لعدم تناوله دواءه المعتاد. فقام مشكورًا بالذهاب معنا إلى والد المتوفى حلمي لاستكمال إجراءات التنازل، كما استكملنا إجراءات تنازل والد المصاب علي باشعران رغم حالته الصحية الحرجة.
هذا الموقف جعلني ومن معي في موقف خجل أمام صنائع المعروف. فبالرغم من أنني انطلقت صباح الاثنين من مدينة الشحر، أنا ومن معي حفظهم الله، محمد بن محمد الطميسي ابن الشهيد الطميسي، وكذلك رجل المواقف أحمد العبد الجباري، وحميدي وحري وأبو محمدين، وعند وصولنا المكلا تعرضنا لحادث مع تاكسي يقوده شائب، حيث حدث الحادث ولم يصب أحد سوى أنا، إذ كسرت يدي ولم أشعر بها في حينها. وقد دفنت آلامي عندما رأيت مروءة وشهامة العمودي ومواقفه، فلم أبالِ بنفسي، وحرصت على استكمال الإجراءات وعدم تأخير أصحاب المروءة. وفي اليوم التالي انتبهت إلى أن يدي مكسورة، ولله الحمد تم عمل الجبس والاسعافات الأخرى.
يوم أمس كان مشهودًا، بعد وصولنا المكلا، حيث التقينا بمن كانوا في انتظارنا في المكلا، الذين قدم بعضهم من البلاد، والبعض الآخر مقيم في المكلا، ومنهم الشخصية الاعتبارية والقبلية الشيخ صالح العطوي، والشخصية الاجتماعية محمد الحاج لريش، والملازم أول مروان علي ناصر لهطل، نجل مدير المرور الأسبق ومستشار وزير الداخلية، والملازم ياسر لهطل، والأخ سالم محمد العطوي، وعوض العطوي، وإيمن هادي. والشكر موصول لمن تحركوا من الشحر للاطمئنان علينا نتيجة الحادث، ونحن في طريقنا لاستكمال إجراءات التنازل عن الحادث السابق من أسرة المتوفى حلمي عبدالحليم العمودي والمصاب.
كما لا يفوتني أن أشكر جزيل الشكر كل من لعب دورًا كبيرًا في إيصالنا سابقًا إلى بروم لتعزية عبدالحليم العمودي وزيارة والد المصاب، لأن المصاب كان ممنوعًا عنه الزيارة. وأعطانا نبذة عن عادات حضرموت الطيبة وأهلها الطيبين، وهذا محسوب للأخ عبدالحليم وباشعران خاصة ولحضرموت عامة. الأخ الطيب الذكر علي عمر الناخبي من أبناء حضرموت.
نسأل الله أن يسكن حلمي عبدالحليم الفردوس الأعلى من الجنة، ويخلف على والديه بخلف صالح، ويشفي علي معوض علي باشعران شفاءً عاجلًا غير آجل. ويديم الوفاء بين عباده، فمثل هذا الوفاء يشرح الصدر ويطمئننا أن البلاد لا تزال في خير، وأن الأوضاع القاسية وانتشار الفساد لا يؤثران على عاداتنا وتقاليدنا المستمدة من ديننا الحنيف.
كما أشكر كل من تواصل معي للاطمئنان على صحتي، فإني ولله الحمد في خير وعافية، وما هو إلا كسر بسيط ولله الحمد.
نسأل الله أن يصلح البلاد والعباد.