آخر تحديث :السبت-28 يونيو 2025-06:26م

نخب التبعية تقتل عدن.. وإرادة العرادة الوطنية تبني مأرب

السبت - 08 فبراير 2025 - الساعة 06:13 م
محمد ناصر مبارك

بقلم: محمد ناصر مبارك
- ارشيف الكاتب


في الوقت الذي تغرق فيه عدن ومحافظات الجنوب تحت وطأة انهيار الخدمات وتفشي الفوضى، تتحوّل النخب الحاكمة إلى أداة لإطالة أمد المأساة. حكومةٌ تائهة في صراعاتها على السلطة، و"انتقالي" غارقٌ في تناقضاته، وشعبٌ أنهكته وعودٌ لم تتحقق، فهل يبدأ الشعب بالبحث عن خلاصه خارج الجغرافيا التي خانها حُكّامها. هل يفكر بالهجرة إلى مأرب – المحافظة الشمالية – أعتقد بعد كل هذا الألم وعذلب الجحيم المستعر التي يعيشها شعب الجنوب في جميع محافظات الجنوب لم تعد مأرب خياراً مستحيلاً، بل صارَت حُلماً يلوح في أفق جنوب يمنٍ منهك.


ما تشهده عدن والمحافظات الجنوبية اليوم ليس سوى انعكاساً لفساد نظامٍ قائم على المحاصصة والتبعية الخارجية نظام تحكمه نخب الشرعية وشربكها نخب الانتقالي. فـ"السفينة الغارقة" – جنوب اليمن– كما يُطلق عليها المواطنون – لم يعد طاقمها ينقذ أحداً، بل يُناضل كل من يسمي نفسه قائد فيها لانتزاع حصته، حتى لو كان الثمن جثث الركاب! أما الشعارات البرّاقة عن "التحرير" و"الاستقلال"، فقد تحوّلت إلى وَهْمٍ يُخفي وراءه أجندات إقليمية تُدار من عواصم بعيدة، تُحوِّل ومازالت مستمرة في تحويل الجنوب إلى ساحة لتصفية الحسابات، وتُكرِّس انقساماتٍ تخدم مصالح الخارج على حساب المواطن الجريح.


وفي مُفارقةٍ تاريخية لافتة، تُقدِّم مأرب – بقيادة السلطان العرادة – درساً عملياً في كيف تُبنى الأوطان. فبينما تُطفئ عدن شمعة الأمل بعد أخرى، تُضيء مأرب شمس التنمية: كهرباء متواصلة، خدمات صحية فاعلة، تعليمٌ ينهض، وأمنٌ مستقر، ناهيك عن أسعار الوقود المدعومة. هذا النموذج لم يعد مجرد حلمٍ للمواطن الجنوبي، بل صار مقياساً يُحاكي به إحباطه من واقع عدن وأخواتها، لدرجة أن سؤالاً جريئاً يتردد: "لماذا لا ننقل ولاءنا إلى مأرب إنْ خانَتْنا عدن؟!" .


ليست هذه الدعوة مجرد رد فعلٍ عاطفي، بل صرخةٌ تُعبِّر عن إفلاس النخب الحاكمة في الجنوب، وفقدان الثقة في مشاريعها الواهية. فالشعب لم يعد يرى في "الشرعية" و"الانتقالي" سوى وجهين لعملة واحدة: عملة التبعية لِمَن يدفع أكثر. أما مأرب، فصارت في المخيال للجميع رمزاً لـ"الدولة التي حُرم منها الجنوبي"، والتي تُثبت أن الإرادة الوطنية قادرة على صنع المعجزات حتى تحت نيران الحرب.


الأمر الأكثر إيلاماً هو أن حكومة عدن – قد تجد نفسها ربما قريباً أمام كارثة وجودية: ربما يفرُّ منها الشعب وإن كان أمراً صعبًا ومستحيلا إلى مأرب بحثاً عن وطنٍ بديل، وتتحول المحافظات الجنوبية إلى مساحاتٌ جغرافية غير آهلة بالسكان وتتحوّل إلى ديكورٍ لحكومة بلا رعايا. فالشعب لم يعد يُصدِّق خطابات الإنقاذ، بل يرى في قادته "أوصياء على الفشل"، بينما يرى في العرادة تجسيداً لقيادةٍ ترفض أن تكون مُجرّد تابع.


الرسالة هنا واضحة: الأوطان لا تُبنى بالتبعية ولا بالشعارات، بل بالإدارة الكفؤة والتضحيات. وإذا كانت مأرب قد نجحت في ظل الحرب، فلماذا تفشل عدن تحت مظلة "الشرعية والانتقالي"؟! يا ساسة عدن: كفاكم ترديداً لشعارات الماضي؛ فالشعب يريد كهرباء تُنير بيوته، لا خطابات تُنير شاشات التلفزة. والعبرة ليست في من يُحكم، بل في كيف يُحكم. والعرادة خيرُ دليلٍ على أن الوطنية فعلٌ لا قول.