لم يتبقَّ من شهر رمضان المبارك إلا شهرٌ واحد، والمعلوم أن هذا الشهر مفضلٌ على سائر الأشهر لما فيه من تفرغٍ للعبادة، والإكثار من الطاعات، وتلاوة القرآن، فضلًا عن الصيام، الذي يجعل الجسم غير معتاد على الأعمال الشاقة وغيرها من المجهودات اليومية.
في السنوات الماضية، كان الكثير من الناس، بل معظمهم، يولون هذا الشهر اهتمامًا خاصًا، ويدخرون له من المال في الأشهر السابقة، ولكن منذ الحرب الأخيرة التي أشعلها الحوثيون، لم يعد هناك ما يدخره المواطن بسبب الأوضاع السيئة والقاسية، التي خلفتها الحرب وما نتج عنها من دمار عبثي وأخلاقي، انعكس على نفوس الناس بالفساد والطمع والجشع.
أصبح كل من يحصل على منصب، في أي مجال، يُفسد فسادًا يتلوه فساد، الأمر الذي انعكس على الوضع المعيشي، وأدى إلى تدهور العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية. استشرى الفساد وبلغ حده الأقصى، ولم يتضرر من ذلك سوى المواطن البسيط، بينما لم يتأثر رجالات ومسؤولو الدولة، بل لم يتفاعلوا مع هذا التدهور الجنوني للعملة، لأن رواتبهم تُصرف بالعملة الصعبة. أما المواطنون الشرفاء، الذين لا حول لهم ولا قوة، فقد تفاقمت أوضاعهم سوءًا، وازدادت معاناتهم يومًا بعد يوم.
عامٌ بعد عام، كنا نترقب ونتأمل أن تأتي إصلاحات ومعالجات من قبل المجلس الرئاسي، والحكومة، والمجلس الانتقالي، بل كنا نطمح أن تنظر سلطة الأمر الواقع - التحالف - إلى الشعب والمواطن المغلوب على أمره بعين الاعتبار، عبر اتخاذ خطوات جادة لوقف تدهور العملة. وهذا ليس بالأمر الصعب على التحالف، بل أجزم أن هذا الانهيار الجنوني للعملة ليس له أي مبرر اقتصادي حقيقي، وإنما هو أمرٌ متعمد تقف خلفه أطراف دولية ومحلية.
كيف يُعقل أن ينهار الاقتصاد بهذا الشكل المخيف بين ليلةٍ وضحاها؟ وكيف يُعقل أن يكون هناك هذا الفارق الكبير في سعر الصرف بين المناطق المحررة وغير المحررة؟ ما الذي يمتلكه الحوثيون من موارد ومقومات اقتصادية تفوق ما تمتلكه المناطق المحررة؟ لا يوجد سوى أمر واحد واضح، وهو أن هناك جهات دولية تعمل على تلميع الحوثي، وإظهاره كرجل دولة ناجح، في الوقت الذي يُستغل فيه الانقسام الجنوبي لزيادة الجراح، واستنزاف الشعب، بينما تقف القيادة الجنوبية مكتوفة الأيدي، منشغلة بالمكاسب الشخصية، رغم أنها جاءت على دماء وتضحيات الشهداء والجرحى.
لكن، وكما يقال، ما يصحُّ إلا الصحيح، فالله يمهل ولا يُهمل، وسيأتي يومٌ تُكشف فيه كل هذه المؤامرات والمخططات.
رسالتي لكل مسؤول، في الشمال والجنوب، ولكل من بيده القرار داخل التحالف: أوقفوا هذا العبث الممنهج الذي يطال حياة المواطنين ومعيشتهم، فأنتم مسؤولون أمام الله، وإن لم يُطبق مبدأ الثواب والعقاب في الدنيا، فسيُطبق أمام العدل الحق يوم القيامة، حيث لا يُظلم أحد.
لوجه الله، اجعلوا الشهر القادم شهر إقبال على الله وتصحيح للأخطاء، فوالله إنكم في عداد الموت اليوم قبل غد، وهنيئًا لمن اغتنم هذه الفرصة قبل فوات الأوان.
الدنيا بكل ملذاتها وحلاوتها لا تساوي جناح بعوضة، فما بالك بالآخرة؟ فالدنيا دار فناء، والآخرة دار بقاء، وأنت أيها المسؤول، اختر ما شئت، اليوم عملٌ بلا حساب، وغدًا حسابٌ بلا عمل.