في زمن الميليشيات الحوثية، اختُزلت الأرواح إلى بضائع تُعرض في مزادات الظلم، تُساوم عليها الضمائر الميتة بثمن بخس. لم يشهد التاريخ زمنًا يُشبه زمن الحوثي، زمنًا تُكبل فيه الحرية بالأصفاد، وتُقدّر فيه حياة الإنسان بأرقام تتجاوز الخيال. ملايينٌ تُطلب كفديةٍ مقابل حرية أسير، وكأن البشرية تراجعت إلى عصرٍ تُسلب فيه الكرامة بلا خجل، وتُباع الحقوق كما تُباع العبيد في أسواق الجشع.
الحرية، هذا الحق الذي خُلق الإنسان ليتمتع به، باتت في عرف الحوثيين جريمة. يُجرّم المواطن لمجرد كونه حرًا، ويُلقى في غياهب السجون لمجرد أنه تنفّس برئةٍ لا تسبّح بحمدهم. الحوثي لا يرى في حرية الإنسان إلا تهديدًا، وفي كرامته إلا ذنبًا، ولهذا يختطف الآلاف بلا تهمة سوى أنهم أحرار. ثم يبتز أهلهم بوقاحةٍ لا مثيل لها، يفرض عليهم دفع الملايين لإخراج أحبّتهم من ظلام الزنازين.
أيُّ زمن هذا الذي تُصبح فيه كرامة الإنسان ورقة مساومة؟ زمنٌ تتحول فيه القيم الإنسانية إلى رمادٍ في مهب أطماع جماعة تعتاش على معاناة الأبرياء. لا سقف لوحشية الحوثي، ولا حدود لجشعه، فهو يختطف الآلاف، يعذبهم، يحرمهم من أبسط حقوقهم، ثم يدّعي حقًا في المتاجرة بحريتهم.
لكن، ماذا عن الكلمة الحرة؟ ماذا عن الصحفي الذي يحمل قلمه كسلاحٍ للحق؟ الصحفي الذي يُفترض أن صوته يعلو ليفضح هذه المآسي؟ في زمن الحوثي، يصبح الصحفي خصمًا لا يُغتفر. يُحاكم في النيابة الجزائية المختصة بالإرهاب، وكأن قلمه أشد خطرًا من بنادقهم. يُختزل صاحب القلم إلى إرهابي لمجرد أنه رفض الصمت. هل أصبحت الكلمة أكثر تهديدًا من الاختطاف والتعذيب؟ هل صارت الحقيقة جريمة لا تُغتفر في زمنٍ يزدهر فيه القمع؟
الحوثي لا يخشى السلاح، لكنه يرتعد أمام الكلمات، لأن الكلمة تكشف سواده، وتفضح تجارته بالبشر، وتعري ظلمه أمام العالم. ولهذا يحارب الصحفيين، ليس فقط بالاختطاف والتعذيب، بل بمحاولته قتل الكلمة في مهدها، خوفًا من أن تُشعل جذوة الحرية في قلوب من لا يزالون يناضلون لأجلها.
إنه زمنٌ يُمتحن فيه الإنسان في جوهره. زمنٌ يُصبح فيه السجن عقابًا على الحلم، والتعذيب ثمنًا للإرادة، والموت مصيرًا لمن يجرؤ على التحدث بالحق. لكنه أيضًا زمنٌ يثبت فيه الأحرار أنهم قادرون على كسر قيودهم، مهما بلغت الظلمة التي تحيط بهم. ففي النهاية، لا سوق ولا سلطة ولا ميليشيا تستطيع إطفاء شعلة الحرية، لأنها الحق الذي لا يقبل المساومة.