بعد تصريحات الرئيس عيدروس الزبيدي، وتصريحات أخرى لمسؤولين في الشرعية اليمنية، كان آخرها تصريح رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك لقناة الحرة، لم يعد هناك مجال للشك أن الاستراتيجية التي يعمل عليها المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم لتحقيق هدف استعادة الدولة الجنوبية هي العمل مع القوى اليمنية المناهضة لمليشيا الحوثي لدحرها واستعادة الجمهورية اليمنية، ومن ثم التفاوض لإيجاد حل للقضية الجنوبية.
وهذه استراتيجية من عدة استراتيجيات أخرى يمكن العمل عليها، منها استراتيجية انتزاع القرار داخل الشرعية أو على الأقل التأثير على القرار بشكل أكبر، واستراتيجية الدفع، سواء من خلال التفاوض أو بالقوة، نحو فرض الإدارة الذاتية في الجنوب، واستراتيجية فرض السيطرة على الأرض، والتي يبدو أنها ليست في حسابات الانتقالي في الظروف الراهنة.
وللإنصاف، لكل استراتيجية مبرراتها وعوامل قد تؤدي إلى النجاح ومخاطر قد تؤدي إلى الفشل.
واستراتيجية الانتقالي اليوم بالتأكيد لها مبرراتها، وهناك احتمال أن تؤدي إلى تحقيق الهدف المنشود، وأيضاً هناك احتمال أن تدخل القضية الجنوبية في مزيد من التعقيد مما قد يجعل تحقيق الهدف أمراً صعباً.
مبررات استراتيجية الانتقالي:
1. انعدام الرغبة (أو القدرة) لدى الانتقالي في تجاوز سياسة التحالف العربي والمجتمع الدولي،
وهم من يرسمون خارطة الطريق لحل الأزمة اليمنية ويفرضون على المجلس الانتقالي هذا المسار.
2. اعتماد المجلس الانتقالي على الدعم السياسي والعسكري (المحدود)، وهو ما يترتب عليه ضرورة عدم التباين مع التحالف، تجنباً لأي رد فعل قد يؤثر على علاقة الانتقالي بالتحالف ويؤدي إلى تراجع الدعم.
3. عدم تعريض ما تحقق للقضية الجنوبية للخطر باعتبار أي موقف من قبل الانتقالي لا يجاري السياسة المتبعة للتحالف العربي والمجتمع الدولي، والتي ما زالت قائمة على الاعتراف باليمن الواحد واستعادة الجمهورية اليمنية ككيان موحد، قد يعرض القضية الجنوبية للخطر، خاصة أن هذه السياسة ترفض حتى الآن الاعتراف بحق الشعب الجنوبي في فك الارتباط أو تقرير المصير.
المخاطر:
1. استعادة الجمهورية اليمنية تعني عودة قوى وأحزاب الشمال إلى السلطة والهيمنة وهذه القوى والأحزاب هي التي احتلت الجنوب ووقفت ضد أبسط حقوقه في كل مراحل الثورة الجنوبية.
2. غياب أي بوادر اعتراف من قوى وأحزاب الشمال بحق الجنوب، وهي اليوم القوى الشمالية الشريكة في الشرعية، التي تعتمد على الجنوب في البقاء سياسياً، لا تبدي أي استعداد للاعتراف بحق الجنوب في تقرير مصيره أو فك الارتباط.
3. المزاج العام في الشمال لا يزال “وحدة أو موت” وهذا حتى في أسوأ الظروف التي يمر بها الشعب في الشمال واعتماده على الجنوب في احتضان الشرعية، ورغم سياسة الانتقالي الساعية للمساهمة في استعادة الجمهورية اليمنية، لا توجد أي مؤشرات على قبول الشعب في الشمال بحلول للقضية الجنوبية بحجم فك الارتباط.
4. غياب الدعم الدولي والإقليمي لفك الارتباط حيث لا توجد بوادر من قبل المجتمع الدولي أو الإقليمي لدعم المجلس الانتقالي الجنوبي في موقفه التفاوضي الساعي لفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية بعد استعادة الجمهورية اليمنية.
5. إطالة الوقت ورهن القضية الجنوبية بتحرير الشمال قد يؤدي إلى مزيد من التشظي وتعدد المشاريع داخل الجنوب، مما قد يضعف الموقف السياسي للانتقالي بعد استعادة الجمهورية اليمنية.
الخلاصة:
نجاح هذه الاستراتيجية مرهون بما يلي:
1. نجاح الشرعية في معركتها لدحر مليشيا الحوثي واستعادة الجمهورية اليمنية.
2. اعتراف القوى والأحزاب اليمنية (الشرعية) بعد استعادة الجمهورية بالقضية الجنوبية كقضية سياسية وبحق شعب الجنوب في فك الارتباط.
3. دعم التحالف العربي والمجتمع الدولي للمجلس الانتقالي الجنوبي في موقفه التفاوضي الساعي لفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية.
شخصياً، أعتقد أن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر بغياب أي ضمانات مسبقة وأن الانتقالي يدرك جيداً هذه المخاطر، لكنه لا يعمل على فرض اي مستوى من الضمانات لانجاح هذه الاستراتيجية وغير مستعد للدراسة أي استراتيجيات أخرى في الظروف الحالية.
التوصيات:
لذلك، فإن أقل ما يجب على الانتقالي العمل علىه هو تقوية العوامل الذاتية الممكن العمل عليها:
١. إصلاح البيت الداخلي والعمل على خلق اصطفاف حقيقي على مشروع وطني جنوبي يلبي تطلعات جميع الجنوبيين.
٢. تجاوز جوانب القصور الذاتي مثل ضعف العمل المؤسسي وآليات اتخاذ القرار بعيد عن المركزية التي تضعف الانتقالي والقضية التي يمثلها.
٣. محاربة الفساد والمحسوبية والشللية، والاعتماد على أفضل الكوادر الجنوبية.
٤. معالجة تدهور شعبيته وحالة التذمر في أوساط الشعب الجنوبي وإعادة الروح للقضية الجنوبية.
ختاماً:
غياب اي ضمانات والذهاب إلى واقع مجهول بعد استعادة الجمهورية اليمنية، بل واقع تبدو مؤشراته سلبية، مسار اقل ما نقول عنه مخاطرة.
وما سيصعب من التعامل مع ذاك الواقع هو عدم النجاح في معالجة القصور الذاتي والذي يزيد من فرص فشل استراتيجية الانتقالي المعلنة.