آخر تحديث :الجمعة-09 مايو 2025-10:06م

قراءة في كتاب " الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي وآراؤه العقدية"2-3

الخميس - 05 ديسمبر 2024 - الساعة 11:10 م
د. لمياء الكندي

بقلم: د. لمياء الكندي
- ارشيف الكاتب


قراءة في كتاب " الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي وآراؤه العقدية"2-3

( 245- 298هـ)\ (860- 911م) تأليف الدكتور \ عبدالحميد أحمد مرشد حمود 2-3


د. لمياء الكندي


لا ينبغي عندما نتحدث عن اليمن والسيرة العلمية للكاهن يحيى بن الحسين الرسي ان نساوي بينه وبين علماء اليمن أمثال نشوان بن سعيد وأبو الحسن الهمداني وابن الأمير ومحمد بن علي الشوكاني وصالح المقبلي وغيره من الأعلام الكبار، فقد كان دخيلا ودعيا عن العلم والعلماء وليس سوا طامح سياسي لمنصب الإمامة بالحكم واليكم اثبات ما ذهبنا اليه من خلال قراءتنا لهذا الكتاب القيم.


في الفصل الثاني من كتاب (الإمام الهادي يحيى ابن الحسين وآراؤه العقدية)، يتطرق الكاتب الى البيئة العلمية التي عاش فيها الكاهن الرسي، حيث يؤكد لنا الكاتب من خلال رحلة بحثه حول الرسي، غياب المعلومات التاريخية التي تحكي حقبة حياته في الحجاز، فعلى الرغم من وجود علماء كبار حفل بهم عصره كالترمذي والإمام البخاري وغيرهم من علماء الحديث والفقه واللغة الذين ذاع صيتهم الا أن الرسي لم يأخذ بعلم أي أحدا منهم ولم يرد لهم ولأمثالهم ذكر في كتبه فلم يأخذ عنهم ولم يؤخذوا عنه سواء من علماء اهل السنة او علماء اهل البيت.


ويرجع الكاتب ذلك إلى مرحلة العزلة التي عاشها الرسي وغيبته عن الساحة العلمية، إضافة الى اختلاف وجهات النظر بين الرسي وبين علماء الامة بخصوص الإمامة، وانتقاله الى اليمن في سن مبكر، كما كان إلى بعد المسافة بينه وبين هؤلاء العلماء اثرا في حياة الرسي العلمية.


وانا أرى ان عدم ذكر الهادي في كتب علماء عصره وتغيبه عن الالتحاق بعلومهم يرجع الى سببين يكمن الأول في محدودية علم المدعو بالهادي يحيى ابن الحسين واقتصار آراؤه واجتهاده على الأمور التي حاول الاشتغال بها والتي تمكنه من اثبات ذاته كإمام كمسائل الولاية والولاء والبراء وغيرها من مسائل التمكين السياسي فقد كان يعد نفسه للحكم، وينشعل بمسألة امامته واثباتها ومنحها صفة دينية تحشد له القبول والاتباع بين أنصاره.


فيما يكمن السبب الثاني في محدودية اهتمامه بكونه فقيه وعالم وعدم اهتمامه بتلقي العلم وتعليمه خارج دائرة تطلعاته السياسية، فكان يبحث عن المكانه التي تؤهله للحكم لذا اكتفى في تلقي علومه على مصادره الذاتية من دراسة وتعلم وحصر تلقيه العلمي على الموروث العلمي لجده القاسم، والآراء العلمية والفقهية التي تناقلها عن طريق ما يسمونه بأعلام الهدى من ال البيت النبوي، كون تلك العلوم محصورة فيهم وهذا ما يؤكد ما ذهب اليه الباحث من عزلة الرسي تلك العزلة التي فرضت عليه بسبب تطلعاته السياسية فلم يكن عالما بمفهوم العلماء وائمة العلم وفق تصنيفات عصره يقصده طلبة العلم فهو بذاته لم يتتلمذ على اياد علماء ذو سبق كما جرت العادة في تلقي العلوم.


اما طلبته او تلاميذه، فلم يجد الباحث من كتب التراجم لهم ذكر غير ولديه محمد المرتضى واحمد الناصر وابي العباس العلوي كاتب سيرته، وعلي بن احمد بن ابي خريصه راوي كتابه الاحكام واخوه عبدالله بن الحسين ولنا هنا حق التساؤل حول مكانة ومقام العالم الذي ليس له مريدين ولا طلبة علم، ولم يتتلمذ على يد أحدا من علماء عصره.


كما يشير الكاتب الى ان الكثير من احاديث الهادي عبارة عن بلاغات عن زيد بن علي عن آبائه وعن بعض الصحابة كعلي بن ابي طالب وسلمان الفارسي ما يعني اقتصارها على طائفة معينه لسلالة ذات توجهات علمية واحدة، وهذا يؤكد لنا ان كل ما احدثته النزعة العلمية و السياسية المتطلعة للحكم لدى الرسي انها خلقت له جملة من الاتباع الذين يقاتلون عنه كحاكم وهنا نفرق بين طلبة العلم والعالم الحجة وبين الزعيم السياسي.


ويشير لنا الكاتب الى حقيقة مهمة حول الوضع العلمي في صنعاء اثناء قدوم الرسي اليها حيث كان يوجد فيها سبعة الآف عالم من علماء العامة مبرزون في أنواع العلوم، وعلم الحديث كأصحاب المحدث الكبير والامام الشهير عبدالرزاق واسحاق الدبري، وإبراهيم بن سويد الشبامي، وإبراهيم بن بره الصنعاني، والحسن بن عبدالاعلى البوسي، وغيرهم من اهل العلم باليمن ووجود ذلك العدد الكبير من العلماء في صنعاء وحدها ينفي صحة دعوى الرسي بأنه جاء إلى اليمن ليدعو أهلها الى الصلاح وهدايتهم وتعليمهم أصول الدين ومنع ارتكابهم للفواحش التي كانت شائعه فيهم.


اما فيما يخص مصنفات الرسي العلمية فقد ذكر لنا الباحث في كتابه هذا أنها تربو على أربعين مصنفا ما بين كبير وصغير، في فنون شتى من العلم، واغلب فتاوي الرسي الفقهية قد شملته المجموعة الفاخرة ( مجموع كتب ورسائل الامام الهادي)، وكتاب (مجموع رسائل الهادي الى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم- الرسائل الأصولية).


ويذكر لنا الباحث بعض اراء الرسي الفقهية التي خالف فيها الزيدية، أي خالف فيها الامام زيد بن علي والتي تم حصرها من قبل الكاتب من كتاب الأحكام كونه اشهر كتاب فقهي للرسي كمسألة رفع اليدين للتكبير في الصلاة، والتأمين بعد قراءة الفاتحة، وباب صلاة الجمعة في غير المصر الجامع، وغيرها من المسائل التي لكم الاطلاع عليها بالتفصيل في كتابه هذا.


وفي الباب الثاني من كتاب ( الإمام الهادي يحيى بن الحسين وآراؤه العقدية)، يتناول الكاتب ثلاثة فصول شملت الأصول الخمسة عند الكاهن الرسي، والأصول العلمية التي بنى عليها الهادي معتقده، في حين ناقش الفصل الثالث: أوجه التشابه العقدي بين الهادي وبين الفرق الأخرى.


وناقش الكاتب ضمن هذا الباب مسألة " التوحيد عند الهادي"، ويعتبر التوحيد عند الرسي أول الأصول الخمسة، ويوجز تعريف الرسي للتوحيد "بأن الله شيء لا كالأشياء اذ الأشياء خلقه وصنعه" ومن قوله: (لا كالأشياء)، يتضح ظاهر مذهب الرسي في عدم جواز اطلاق لفظ (شيء)، على الله، كاسم من اسمائه تعالى وفي ذلك رد على من يقول بأنه تعالى جسم كالأجسام الى غيرها من الاوصاف التي ذكرها الهادي عن صفة الله تعالى التي يوافق فيها اهل السنة في هذه المسالة.


اما عن وصف الهادي لله عزوجل بانه قديم وما سواه محدث، ففيه من الصفات السلبية التي وصف بها المتكلمون الله عزوجل، حيث كان الأولى استخدام لفظ الأول تأدبا تجاهه عزوجل، وهي الصفة التي وصف الله بها نفسه ( هو الأولُ والاخرُ)، ويرى الباحث من خلال ذكره لمسألة التوحيد لدى الهادي انه درج على طريقة المتكلمين في اثبات ونفي صفاته عزوجل، كما أن نفي الرسي لصفة الكلام لله عزوجل مخالفة لأهل السنة التي اثبتت تلك الصفة عليه تعالى وهذا مما يؤخذ عليه.


وناقش المطلب الثاني من هذا الباب "علاقة العمل بالأيمان عند الهادي"، والعلاقة بينهما، حيث يعتقد الرسي بأن الاعمال تدخل في مسمى الإيمان وهذا يتفق مع جمهور أئمة السلف والخلاف الحاصل بين الطرفين حول موقع العمل من الإيمان، بمعنى أنه إذا ترك العمل الصالح كله او بعضه، هل يسمى مؤمنا ام لا؟ فجمهور العلماء يجمعوا على انه لا يلزم من عدم العمل عدم الإيمان بحيث لا ننفي صفة الإيمان على مرتكب المعصية او المقلل في الطاعات، في حين يذهب الرسي إلى أن الأعمال الصالحة بدونها ينعدم الإيمان. فمذهب الهادي أنه لا يجوز إطلاق مسمى الإيمان على أهل الكبائر.


ويبحث المطلب الثالث من هذا الباب حول " الأسماء الحسنى عند الهادي"، وما يتعلق بها من مسائل الأعتقاد وأبرزها العلاقة بين الاسم والمسمى؛ هل الاسم عين المسمى أم أن الاسم غير المسمى؟

ويرى الرسي بأن الاسم غير المسمى، ومن قال بان الاسم هو المسمى فهو جاهل غوي وحجته في ذلك بقاء الاسم وفناء المسمى، وهو يخالف بذلك جمهور علماء المسلمين الذين يرون بأن الاسم عين المسمى والمعروف عن أئمة السنة إنكارهم على من قال أسماء الله مخلوقة وهو ما يترجح للباحث أيضا كما يترجح للباحث أيضا أن الخوض في هذه المسائل في هذا الزمن مما ينبغي السكوت عنه لأن هذه المسائل تكاد تنقرض بانقراض القائلين بها.


ويناقش الكاتب في المبحث الثاني من هذا الكتاب " الصفات عند الهادي"، يعني بها صفات الله عزوجل تمت مناقشتها في اثنى عشر مطلبا، شملت علاقة الصفات بالموصوف حيث يرى الكاهن الرسي أن الصفة عين الموصوف ومن ذلك قوله " علم الله هو الله، وقدرة الله هي الله، وسمع الله هو الله، وبصر الله هو الله"، وفي هذا القول الظاهر للرسي مخالفة للنصوص القرآنية التي تحدث فيها الله عن نفسه ففيه إنكار لصفاته عزوجل، كإنكار صفتي السمع والبصر، ومن ذلك قوله عزوجل " وكان اللهُ سميعاً بصيراً"، ولو كانت هذه الصفات قد وردت بمعنى واحد كونه تعني ذاته عزوجل لكان ورودها بهذه الكثرة التي جاءت في القران الكريم تكرارا لا طائل منه والقران منزه عن مثل هذا التكرار.


ويرى الباحث الدكتور عبد الحميد مرشد ان اعتبار الهادي بأن الصفة هي عين الموصوف واعتبار الصفات المختلفة لله عزوجل بمعنى واحد متناقض مع الفطرة ومكابرة للعقل وثار سخرية الناس من قائله وسفسطة لا نفع فيها، ومذهب الرسي في ذلك يلتقي مع ما ذهب اليه المتفلسفة والجهمية الذين سلكوا بعض الصفات مسلكا يجعلهم ينزلقون عن مذهب العقلاء.


كما يرى الكاهن الهادي بوجوب نفي صفة الوجه عن الله تعالى ويطلق على من يصفه عزوجل بذلك بالمشبهة وهو قول يتفق مع قول المعتزلة وجمهور المتكلمين، الذين ينفون عنه عزوجل صفة الوجه الثابت في القران والسنة.

وللكاهن الرسي عددا من الآراء والاقوال التي خالف بها مجموع الأمة حول صفته عزوجل كالعلم والقدرة وغيرها، وقد اقام منهجه هذا على قاعدته المعروفة ( الصفة عين للموصوف) ويلحق بها باقي الصفات كالاستواء على العرش، والكرسي، والعلو، فينكر الرسي صفة العرش ويفسره بأنه المُلك والأمر والنهي تارة، ويفسره تارة على أنه الله وإن ذكر الكرسي ضرب مثل على عظمته تعالى، كما يرى الرسي بأن صفة العلو لله عزوجل تعني القهر والقدرة وهي ذات صفة الموصوف، وهو خلافا لمعتقد أهل السنة بالنسبة للكرسي أو للعلو وفق ما تشير الآيات التي تحدثت عن ذلك، ولا تترك مجال للتأويل والتفسير، ويلحق بها باقي الصفات والافعال المنسوبة إلى الله عزوجل التي خالف بها الهادي جمهور المسلمين واتفقت اراءه فيها مع الجمهية والمعتزلة وأهل الكلام .

يتبع....