كلمات يصحبها الحياء ، تصحبك في مدرسة المجد والعزة ، مدرسة الشهيد العميد محمد علي الصيني ” جنوبي” حياته الزاخرة بالعطاء ينحني القلم إجلالاً ، وتكسب الكلمات هيبة ، تنأى بالعين ملامسة قمة جبل أشم.
الشهيد محمد علي العلقمي (الصيني )الذي أنتقل إلى جوار ربه شهيداً مغدوراً في مساء أمس الخميس 28من سبتمبر 2023م ، هو أحد قيادات الثورة الجنوبية التاريخيين التي كانت تتزين برؤيتهم الوجوه ، فهم كالشمس في ضحى الصباح المشرق ، وفي الليل الكاحل كدُجى القمر المضيء يبتسمون للحياة رغم بأسها ويعيشون في كنف الشهادة مُستلين سلاح الوعي والثورة والعزيمة.
وخير وفاء لهؤلاء الأبطال هو التمسك بالمبادئ التي ثاروا من أجلها ، وقدموا أرواحهم فداءً لها والمضيء في طريقهم دون كلل أو ملل حتى تتحقق تلك الأهداف ، وإن أيسر الطرق لبلوغ تلك الأهداف ، هو توحيد الصف الجنوبي بكل ألوان طيفه السياسي والثقافي ، ولا سيما في هذا الزمن المقطوع عن سياقه والخارج من الأزمنة ، في عالم لا يزال يقاوم حركة التطور والتاريخ ، عالم تحكمه ثنائية البسطار العسكري والأجهزة الأمنية من جهة ومافيات الفساد والمال من جهة آخرى.
في هذا الزمن وذلك العالم ، لأبد أن نستذكر في يوم رحيل الشهيد محمد الصيني أهمية الثورة الجنوبية كنقيض للتشرذم ، والقوة بديلاً عن الضعف والجراءة تجاوزاً للخوف ، والإقدام نحو القرار والإرادة.
غادرنا البطل الشهيد ابن الصبيحة الجنوب البسيط والمنحاز بطبيعته للشعب الجنوبي والحرية والديمقراطية.
غادرنا هذا القائد العظيم قبل أن نصل لنهاية الطريق لأستعادة دولة الجنوب، ولكننا بافقدانه وفقدان القادة العظام الذين أناروا لنا الدروب وعبدوها وسنكمل إن شاء الله مسيرتهم التاريخية ، والمتمثل في بناء وتأسيس دولة الجنوب دولة القانون والمؤسسات الدستورية ، دولة المواطنة ، دولة إقتسام العادل للثروة والسلطة ، والعودة بالبلاد إلي درب النهوض لبناء وطن جنوبي آمن وزاهر يتسع الجميع.
غادرنا الشهيد البطل المقدام محمد الصيني ، الذي أنجبته أرض الصبيحة ، والذي كرس شبابه وعمره كله في النضال وفي خدمة قضايا وطنه وشعبه ، فهاجت العيون تبكيه دمعاً ، وانتفضت القلوب حزناً لرحيله..
غادرنا في لحظة مصيرية هامة في التاريخ الجنوبي المعاصر ليلحق بركب رفاقه الشهداء من قيادات عسكرية الثورة الجنوبية الأوائل ،الذين رحلوا عن الدنيا الواحد بعد الآخر.
الشهيد العميد محمد الصيني هو ذلكم الإنسان الوطني الغيور الذي عرفته الساحة الجنوبية نهل كل معاني التضحية والفداء .
كان – طيب الله ثراه – همه الأول مع رفاقه الضباط العسكريين الذين دافعوا عن أرض الجنوب ،ومن الذين أسسوا بناء مؤسسة عسكرية جنوبية قوية وعلى أسس وطنية ، وعلى امتداد الجنوب ، لذلك ساهم القائد العميد محمد علي الصيني بجهده وفكره في تحقيق الاستقلال ، كما كان له الدور الفعال في تحرير عدن التاريخي سنة 2015م ، الذي انبثقت عن القيادة والمقاومة الجنوبية التي كان فيها.
عُرف – رحمه الله تعالى – في أوساط الصبيحة والجنوب ، بأنه مقاتل شجاع وقائداً عسكرياً بارعاً ومُخطط عسكري فذاً ، وإدارياً من الطراز الأول ، يتعامل مع الصغير والكبير ويثقون بالنصر المؤزر تحت قيادته ، وفوق ذلك كله كان فريداً في تعامله مع جماهير الشعب فأحبوه ، فأخذ مكانته عن جدارة في قلوب وضمائر الصبيحة وإخوانه ورفاقه المناضلين في الجنوب.
عُرف باستقامته وصراحته وأسلوبه الواضح الذي لا يدعه يداور أو ينافق أو يداري أو يساوم ، ظل الرجل وفياً حتى اللحظات الأخيرة من حياته للثورة الجنوبية ومبادئها التي انطلقت من أجلها ، وعلي رأسها تحرير الأرض والإنسان وإقامة الدولة الجنوبية .
كان كريم النفس وحسن المعشر والأخلاق ، ذو وجه بشوش لا تفارق الأبتسامة ثغره الباسم حتى عند لقائه بمن يختلف معه في الرأي لم يتحدث أبداً عن عيوب رفاقه المناضلين وزملائه في القيادة حتى الذين خاصموه واختلفوا معه بل حتى إنه لم يدع لنفسه مجالاً للنيل من الرجال ودروهم وتاريخهم ، كان دائماً يذكرهم بالخير ويعدد إنجازاتهم وبطولاتهم ، كان أباً مثالياً لأبناء الصبيحة والجنوب الذين كانوا يصغرونه سناً.
عُرف – رحمه الله – بأدبه الجم ، وثاب الهمة مقدام ، مخلص في عمله يؤمن بأنه حق ولا يخشي فيه لومة لائم .. عُرف عنه رجل يعزف عن الظهور ولا تطيق نفسه خلق الضجة حول عمله وأبرز ما يميزه هدوؤه واتزانه ورصانته وتبصره وصبره وإيثاره النضال الصامت في خدمة وطنه وشعبه.
العميد محمد الصيني ” جنوبي ” عشق ثرى الجنوب الطهور وأسم أرتبط بمسيرة كفاح ونضال ثورة التحرير الجنوبية أمتاز بوطنية صادقة وأنتماء أصيل وعميق للجنوب وتميز بشجاعته وقوة إرادته وبصبره ونشاطه المنقطع النظير وإيمانه القاطع بحتمية النصر على قوى الشر والعدوان .
لقد أضاف – رحمه الله- حالة إنسانية ونضالية ووطنية مميزة طوال حياته ، ونال أحترام وتقدير من يتفق أو يختلف معه على مستوى الجنوب، لقد تميز بالصراحة والوضوح والألتزام الدائم للمصلحة الوطنية الجنوبية العليا وبما يراه صائباً وصحيحاً دون أن يجعل من رأيه وموقفه معياراً وحيداً للحقيقة وبقي – رحمه الله تعالى – طوال حياته حريصاً ووفياً ل شعبه ووطنه .
كان شخصية كارزمية معروفة لعب دور حاسم في تقريب الآراء وتوحيد الصفوف ، بقي العقيد محمد الصيني وفياً له حتى آخر لحظة من حياته.
ختاماً لأبد من القول : إن العميد محمد علي الصيني سيبقي إن شاء الله أسماً شامخاً من الرموز المجيدة في مسيرة النضال الوطني الجنوبي ومن شموعها المضيئة وستظل ذكراه خالدة في قلوب جميع أبناء الصبيحة ووطنه خاصة وقلوب أحرار العالم عامة.
رحم الله تعالى القائد الشهيد العميد محمد علي الصيني وكل شهداء الثورة الجنوبية وأسكنهم فسيح جناته ، وعوض أهلهم وذويهم وشعبهم عوض خير ، وأن يحمل الراية من بعدهم منهم على شاكلتهم ، وإيماناً وإخلاصاً ووعياً وبذلاً وتضحية في سبيل استعادة عزة وكرامة ومجد شعبهم.
هكذا هم العظماء يسيرون علي طريق ذات الشوكة .. يخلف القائد ألف قائد .. وتمضي المسيرة .. مسيرة النضال والكفـاح .. ويكون الانتصار هو القرار .. والشهادة هي العنـوان.