آخر تحديث :الأحد-17 أغسطس 2025-05:55م

أحسن نيتك للآخرين ، وتمنى لهم خيرا

الجمعة - 08 سبتمبر 2023 - الساعة 12:00 ص
انور ثابت بن عبدان

بقلم: انور ثابت بن عبدان
- ارشيف الكاتب


السعادة الحقيقية تسكن القلوب الطيبة التي تتمنى الخير لغيرها ، وتسير على الدرب طول عمرها وهي سعيدة بما قدمت من بذل وعطاء ، وتزداد المحبة لها عندما يرى الناس قلبا نقيا تحمله بين جنباتها فكيف بما يحمل في قدومه الخير وفي رحليه يترك أثرا طيب .

ومضة : اعتاد أحد المزارعين الحصول على جائزة كلما شارك بمسابقة الذرة السنوية ، وفي أحد الأيام قابله صحفي وناقشه في أسباب فوزه كل عام .

علم الصحفي أن المزارع يتبادل بذور الذرة مع جيرانه ، فسأله : كيف تعطي بذرك الجيد لجيرانك وأنت تعلم أنهم ينافسوك بالمسابقة ؟

رد المزارع : ألا تعلم أن الريح تأخذ بذور اللقاح وتلقي بها من حقل إلى آخر ؟

فعندما يزرع جيراني بذورا رديئة ، ستنتشر بذور اللقاح المتناثرة على محصولي ، فإذا كنت أريد محصولا جيدا فلا بد أن أعطي جيراني أفضل أنواع البذور .

أدرك المزارع أنه لا يستطيع بمفرده إنتاج محصولا جيدا ، إلا إذا عاون جيرانه على إنتاجه ، لذا فلا تبخل في تمني الخير للآخرين ، ولا تكن ممن يتمنى لهم الشر ، فإن غناهم لن ينقصك من رزقك شيئا ، وإن فقرك لن ينقص من غناهم شيئا ، وإن صحتهم وعافيتهم لن تأخذ من صحتك شيئا ، وتمني لهم طلب البركة في الأهل والولد والعمل لن يقلل من بركة حياتك شيئا ؛ لكن ، كن على يقين أن طلبك الخير للغير سيزيدك ولن ينقصك ، ستكون كبيرا وعظيما في نفسك وأمام الآخرين ، كما يكفيك شرفا أنك ستكون عظيما أمام ربك في قناعتك ويقينك به .

‏كن نافعا ولو بالنية ، فإن الله إذا رأى فيك خيراً ، يسرك للخير ، وفتح لك ابوابه ، وأغلق عنك أبواب الشر نهائيا .

ينقسم الناس في تعاطيهم مع أمور الدنيا إلى أحوال أربعة ، لخصها النبي الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - في حديث عظيم من جوامع كلمه ، فعن أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :

( أحدثكم حديثا فاحفظوه :

إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ويصِلُ فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا ، فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان ، فهو بنيته ، فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا ، فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علما فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته ، فوزرهما سواء )

رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .

محبة الخير للآخرين من علامات الإيمان : روى الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا ) .

وصية عظيمة أوصى بها النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه بأن تحب للآخرين ما تحبه لنفسك وقرن ذلك الحب وما يحمله من خير وعطاء بالإيمان  .

ويؤكده أيضا ما رواه أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان ؟ فقال : (  أفضل الإيمان أن تحب لله ، وتبغض لله ، وتعمل لسانك في ذكر الله -  قال : وماذا يا رسول الله ؟ قال : أن تحب للناس ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ، وأن تقول خيرا أو تصمت ) .

وهذه الصفة الحميدة سبب لكل خير ، وهي من أعظم وأجل منازل الصفاء في سلامة الصدر ونقاء سعته .

قال الإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله  :قد تأتيك النعمة لأنك تمنيتها لغيرك .

قال محمد مصطفى عبد المجيد :فتش في البحر عن الخير الذي طالما نُصح الناس أن يعملوه ثم يلقوه فيه ، فلم يجد شيئا .

وبعد كل هذا الطرح نجد أنفسنا في مفترق طرق ما بين من يتمنى الخير ومن يتمنى الشر ، فالمؤمن من ينثر بذور الحب والسلام في كل مكانا يتواجد فيه ، فيذكر الناس بالخير إن غابوا ويدعوا لهم به ، ويمد يد الخير لهم ، وأما الطرف الآخر فكله خبث وشر مستطير ، وفي حضوره تهب رياح الزوال لنعم الآخرين عوضا عن الوبال الذي يلحق بهم في وجوده  .

فحري بنا أن نوطن أنفسنا على محبة الخير للآخرين ، وأن نحرص على إيصال النفع لهم ، وأن تكون خير مستأمن لوطنك .