عودت نفسي منذ دمرت الحرب اليمن واهلها، اثرت الكثيرين كثيرا ان اعطي كل ما يتبقى من افطارنا، غدائنا، عشاءنا، حلويات قدمتها لضيوف، خبز فاض عن حاجتنا اعطي ما اجده في يدي للمساكين ولو كان قليل. فإن القليل الذي اعطيه ولوكان قليل فإنه سيسعد مسكين يأكل قليلا ايضا لكن من القمامة. بالتالي اكلي سيسعده لأنه نظيف وفي رأيي الطبيعي من كل انثى ان ما تطبخه لذيذ المذاق. باختصار انا أحب اعطاء المساكين لدرجة بت اعمل حسابهم وانا اطبخ أي شيء. أخشى يوم قريب أكبر فيه لأصبح عجوز اعطي المساكين حتى ابات انا في ركن جائعة. ذلك لأن لدي جينات ورثتها من خالة لي كانت ملاك يمشي على قدمين. كانت تعطي بلا تفكير -أدعو الله ان يشفع لها عطاءها فتدخل الجنة يوم الحساب منيرة الوجه.
المسكين اليمني الذي بات يشارك الكلاب الاكل من القمامة. منهم من يأكل ويمضي ومنهم من يجمع في كيس بقايا يأخذها لعائلته. تعطلت الانسانية من كلانا. أعتاد هو ذلك بينما اعتدنا نحن هول المنظر فلم يعد يثير فينا أي ردة فعل عملية غير مزيدا من الصدقات. لكن ما عاد أحد يجرؤ على السؤال: - " كيف يأكل اليمنيين من القمامة ومسئولينا غير المحترمين تتدلى كروشهم على افخاذهم." طبعا نحن ناس واقعيين ندرك تماما ان المسئول لابد ان يشبع لكي يستطيع ان يخدم شعبه لكن ان يأكل دون حياء وبلا حياء كذلك يعرف ان شعبه يأكل من القمامة ويعامل الأمر كخبر في بلاد الواق الواق ولا يتحرج من الكرة الكبيرة التي يتحرك بها، للتذكير هي " معدة" لا حاوية في عرض البحر! هذا ما يُصعب تحمله.
انا اليوم اعترف انني لا اعرف كيف دخلنا في هذه الغيبوبة الجماعية؟ كيف تركنا الوحوش والضواري بيننا يدفعون يمنيين مثلنا دفعا يقتاتون من " قمامة"؟! كيف نحن اعطينا لهم ظهورنا ينهشون اكباد من هم لنا فلذات الأكباد؟ نرى الدماء تنقط على الأرض نقط حمراء فنتناقش ان احمر الشفاه الذي تضعه النساء لهو اس أزمة بلادنا اليمن. كيف صمتنا عن هؤلاء المخيفين يتحكمون بما وهبه لنا الله من حياة وكرامة؟
اصيب كثير من اليمنيين واليمنيات في مختلف الأعمار وبنسب غير مسبوقة بأمراض القلب وانا اجزم ان السبب معروف. السبب اننا لم نترك للقلب حاله ينبض! النبض هو وظيفة القلب التي خلقها الله للقلب. في اوروبا والدول المتقدمة هو كذلك للحب. اما عندنا فهو عمارة يسكنها الحزن، حزن بثقل جبل شاهق، بثقل صخوره الوعرة. طبعا النتيجة الطبيعية لرؤية ناس مثلنا تأكل من القمامة هو مرض القلب. ما دمنا بلا حول ولا قوة فقلوبنا حرة. عبرت عن حزنها فمرضت!
كلما خرجت وفي يدي بعض الطعام مما قسم الله اعطي اول مسكين اراه والمساكين كما تعرفوا كثر. فكانت النتيجة ان اعطي شاب بائس بعض الاكل مشفقة على شبابه كيف يقضيه. قبل ان امضي في طريقي يكون هناك مسن يتأملني بعتب. فيحفر الذنب ضميري، اما كان المسن أحق؟ اما إذا اعطيت المسن المح نظرة العتب الجائعة من عينين جميلتين من بين نقاب حولت الشمس سواده الى اللون الرمادي. فأحاسب نفسي ان المرأة كانت أحق من المسن الذي وإن كان مسن فهو رجل خلقه الله اصلب واقوى في التحمل. اما ان اعطيت امرأة هرع الي طفل، فأحلف يمين الله ان الطفل أحق الجميع. طفل كل ذنبه هو كون امه انجبته متسولا. باختصار...كانت الصدقة مما يفطر قلبي لدرجة انني كنت احيانا اضع يدي عليه لأنه كان يوجعني فعلا لا تعبيرا في سطر في قصة.
في يوم كنت سعيدة لأنني اشتريت عشرة سندوتشات شاورما اشتريتها لأهديها للمساكين الذين اعرفهم في حارتنا ولا يعرفون مني الا البقايا. خرجت اقود سيارتي الى عملي وكيس الشاورما بجانبي. اتلفت يمين وشمال بحثا عن مساكين كل يوم الذين يمشون اسراب عصافير باكرة. غير انني لماجد أحد. استغربت. اين ذهبوا؟ اليوم معي عشر شاورما جديدة.
بقي دقائق ويبدأ دوامي فقررت ان اول مسكين سأجده سأعطيه الكيس وهو يوزع السندوتشات كيف يرى. لكن اين مساكين اليوم؟ على ذهولي واستغرابي وجدتني مضطرة للذهاب الى مقر عملي. رأيت من بعيد شجرة محاذية لبنك امر منه يوميا وانا ذاهبة الى عملي. لمحت مثل كيس كبير ملق تحت تلك الشجرة. اوقفت سيارتي ونزلت. فإذا كانت ام... سأوقظها واعطيها الشاورما لتوزعها كيف تحب. وصلت فوجدتها فعلا ام... ناديتها فتطاير الذباب من فوقها. حركت كتفها العظم غير انها لم تستيقظ. لك أن تتوقع يا قارئي اين ذهبت؟
ذهبت الى حيث لا تأكل لا شاورما ولا بقايا طعام. وضعت الشاورما بجانبها والقيح يقطر من الكيس. اوجعتم يا مساكين اليمن قلوب سندوتشات الشاورما وقلوب المسئولين تناقش كيف تتوغل أكثر. بكيت عليها حتى شهقت وها انا عدت الى بيتي دون ان ألقي مسكين واحد لأكتب ان المساكين في اليمن كلهم ماتوا جوعا.