1- المحسوبية: تعني قيام الموظف بالإخلال بمبدأ المساواة في تقدم خدمات المرفق العام للمنتفعين من هذه الخدمات مثل قيامه بتفضيل أحد العملاء على اساس التمييز بسبب القرابة، او المصلحة الشخصية، وذلك بمنحه حقاً لا يستحقه هو ، وانما يستحقه شخص اخر، مخالفاً بذلك النظام الواجب اتباعه، ومثال ذلك تعيين شخص في وظيفة او منحة ترقية مخالفاً للنظام الذي يفقر أحقيتها لشخص آخر.
2- الواسطة: هي أداة ووسيلة يستخدمها الفرد او الأفراد للوصول الى شخص يملك سلطة القرار لتحقيق مصلحة شخص او أكثر وهي خارج القنوات واللوائح التنظيمية الرسمية وأحيانا ما تستخدم باسم عاطفة الخير وما يعرف بالشفقة او الشفاعة.
3- المحاباة: تعني تفضيل جهة على اخرى في الخدمة بغير وجه حق للحصول على مصالح معينة مثال قيام كاتب العدل بإنجاز معاملة لأحد الأشخاص المتنفذين متخطيا في ذلك اشخاصاً اخرين وذلك مقابل قيام هذا الشخص المتنفذ بالتوسط لكاتب العدل من أجل ترقيته او نقله الى مكان قريب من سكنه.
فالمحسوبية، والواسطة، والمحاباة تعتبر من أكثر مظاهر الفساد خطورة والاصعب علاجاً فهي تنجم عن استغلال المنصب الحكومي للاستفادة الشخصية لمصلحة افرد دون وجه حق فهو فساد ناتج عن سوء نية وبذلك تستغل الموارد وتستغل المناصب من قبل غير المؤهلين مما يؤدي الى تراكم ثروات هائلة لدى بعض الأفراد فتنشأ آثار سلبية تنعكس على حياة المجتمعات نتيجة هذه الممارسات .
وتنتشر ظاهرة المحسوبية والواسطة والمحاباة في المجتمع الدولي بشكل عام ولكنها متأصلة في وجودها نص قانوني صريح يحرم او يمنع هذه الظاهرة من انتشارها في المجتمعات العربية باستثناء المشرع الفلسطيني الذي أدخلها ضمن دائرة التجريم والعقاب نظراً لتقبل المجتمع لها باعتبارها من أفعال الخير والمساعدة الامر الذي يحسن من صورتها ويلطف من شكلها واستثمارها لكسب الولاءات وحشد المؤيدين وصنع المراكز الاجتماعية.
لذا فإن أخطر ما يحل محل المشروعات القانونية التي توجب المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات (المحاباة) وهي تؤدي العدول بالحق عن صاحبه الى غيره او اسقاط الواجب عليه او حماية من يستحق او يستوجب المساءلة او التستر عليه .
وغالباً ما تكون المحسوبية والواسطة والمحاباة في التعيينات الحكومية كقيام بعض المسؤولين بتعيين أشخاص في الوظائف العامة على أساس القرابة او الولاء السياسي او بهدف تعزيز نفوذهم الشخصي على حساب الكفاءة والمساواة في الفرص او قيام بعض المسؤولين بتوزيع المساعدات العينية والمبالغ المالية من المال العام على فئات معينة على أسس مناطقية وعشائرية بهدف تحقيق مكاسب سياسية .
وفي اليمن تعاني اجهزة الدولة المختلفة من هذه الظاهرة التي تمارس أثناء تقديم الخدمة العامة او أثناء تطبيق الأنظمة والقوانين ويمكن إدراك ذلك في الواقع العملي من مجاملات لمن لديه جاه او سلطان او له قريب ذو نفوذ ومكانة حزبية او قبلية او مادية او سلطوية فيقدم صاحب القوة على صاحب الحق في الخدمة او الوظيفة وهذا يعني ان الضعيف ولا يأخذ حقه وان القوانين والانظمة يتم تجاوزها وأن مبدأ العدالة الذي يعد إحدى مهام الدولة يتم الإخلال به ويسود النظام في المجتمع .
وعبت تلك الظاهرة دوراً كبيراً في توزيع الوظائف داخل الجهاز الحكومي اليمني حيث اعترفت وزارة الخدمة المدنية بتوزيع الوظائف انها وقفت عاجزة أمام التدخلات العليا والتلاعبات الدنيا في قضايا التوظيف وفي استجواب لوزير الخدمة المدنية من قبل مجلس النواب عن سبب المخالفات في تنفيذ الموازنة الوظيفية للعام 2001-2002م افاد بان (80%) من المخالفات ترجع الى تدخل السلطة المركزية والمحلية في ذلك كما افاد احد اعضاء مجلس النواب أن الرشوة والوساطة والمحسوبية هي الأساس المعتمد في التوظيف في اليمن .
لذا فالباحث يضيف إلى ما ذكره انفاً من أن ظاهرة المحسوبية والواسطة والمحاباة متجذرة ومتفشية في الشأن اليمني وفي أجهزة الدولة المختلفة وتمارس بصورة علنية من قبل ذوي النفوذ والسلطان او من هم في اعلى هرم السلطة فهي ظاهرة سيئة ولها تأثير على عملية التنمية في الدولة إذ أنها تؤدي الى تعيين اشخاص في الوظائف او المناصب الحكومية ليسوا اكفاء وحرمان من هم اولى بتلك الوظائف والمناصب وهم اهل لذلك ولديهم من الكفاءة والجدارة والنزاهة الا انهم لا يحصلون عليها بسبب المحاباة والواسطة والمحسوبية وما فضيحة التعيينات الاخيرة في الحكومة الشرعية لأبناء عدد من المسؤولين وأقاربهم وذويهم خير دليل على ذلك كما أن تلك الظاهرة تضعف من اداء الجهاز الإداري للدولة وتعمق من ظاهرة الفساد الاداري والمالي فيه كما انها تؤدي الى هجرة أصحاب العقول والكفاءة للخارج والى الإخلال بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات العامة التي كفلها الدستور اليمني لكافة أفراد الشعب اليمني .
كذلك لا تقتصر تلك الظاهرة على التوظيفات او تولي المناصب العامة بل حتى على مستوى المنح الدراسية في الخارج او الحصول على مقاعد دراسية في الداخل خصوصاً في الكليات العلمية اذ انك ترى من يحصل على منحة دراسية في الخارج او الدخول في احدى الكليات العلمية في الداخل من أبناء المسؤولين وذويهم ومن له سلطان ونفوذ وجاه حتى وان كان معدله في الثانوية العامة لا يؤهله للحصول على تلك المنحة ويحرم من هم لديهم نسب عالية ومن لهم الاولوية في الحصول على تلك المنح بسبب ان ليس لديهم واسطة .
وحتى الواسطة والمحسوبية والمحاباة في توزيع المساعدات العينية والنقدية فتجدها توزع احياناً على اساس مناطقي او عشائري او حزبي او لتحقيق اغراض سياسية وايضاً على مستوى المشاريع فتجدها تنفذ في محافظات او مديريات وتحرم منها محافظات او مديريات اخرى اي ان تلك الظاهرة لا تقتصر على جانب معين في الشأن اليمني وانما يعم كافة الجوانب فهي تسود الاجهزة والمرافق الحكومية وفي كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والادارية والسياسية وغيرها ولعل التساهل في الاقدام على هذه الظاهرة هو عدم تجريمها في قانون العقوبات لذا يرى الباحث محاربة هذه الظاهرة والنص على تجريمها والعقاب عليها في القوانين ذات العلاقة والحد من انتشارها وتفشيها داخل اجهزة الدولة المختلفة وفي هذا الصدد نصت ووثيقة الحوار الوطني على تجريم الوساطة والمحسوبية وتعاطي الرشوة لضمان تكافؤ الفرص.