للهجر تُبعات وللفراق الطويلُ ويلات ، تتبدل الطبيعة وتسري بعيداً عن نمط الواقع المُعتاد ، تنعكس الحياة إلى وجهاً آخر تتأرجح بين الانتظار البأس للحظة العودة إلى طبيعتها وبين مقاومة واقعاً تتملكه قساوة الهجر وجنايات الفراق الظالم ، في قاع البستان لمْ يعد مجرئ لتدفق المياة بل نضبت وجفت الينابع ودب العطش في جذور الشجر الأخضر ، ذلك تبعات خلفها الهجران وإنقطاع الوصال ،
شجر الروائح العطرة أوشك عبيرها على الجفاف وبالكاد أن يفوح ليعطر المكان، ألوانه الزاهية أضحت باهتة، ذُبلت الزهور الفاتشة وأختفت آخرى في براعمها ، أصفرت تلك الأوراق الخضراء في فصل ربيعها الأخضر ، تقصفت وتطايرت مع كل هزة ريح ، وعلى تراب البستان شكلت أكواماً من خشائش يابسةً لمْ يُعد لها أرواحاً تمكنها للحياة، في ذلك المسار الموحش تغُد تلك الأغصان على هيئة عواد متقصفة ومتهالكة تتنصل عن ساقها تباعاً ،
للعصافير على تلك الأغصان اليانعة مكاناً حيث يطيب لها الأمان ، وبعد أن لاحت أثار الأقدار في أرجاء البستان الجميل وحال دون الجمال
حلقت معلنةً للرحيل تحمل على جناحيها أسئً وحزناً لمَ قد صار بغتةً دون إنذار . تنشد الندم وتقتات الألم تتسأل بحيرةً وإستقراباً ما حلّ بالمكان وشوَّه برونقه والجمال ؟!
صوراً وألواناً جميلة على حائط البستان
تُعرض لوائح البداية ، أرتسمت ذات يوماً بحبر السعادة وريشة البداية ، شُكلت بإشكال متنوعة وفريدة لتمنح الزائرين عناوين ومعاني اللقاء والوجود ، لكنها وفجئةً تحولّت إلى مناظر تستوطنها مأسي الهجران ، تغيرت إلى ألوان باهتة مشوشة عليها خدوشاً توضح أثاراً أحدثها زمن الفُراق ،
كل شيء كان مزروعاً بعناية فائقة ليبقى جميلاً ويستمر بالعطاء والجمال ، لكن ومع قدر الفراق والهجران أضحى بالتلاشئ والأندثار شيئاً فشيئاً ،
وكل شيءً لمْ يُعد على الطبيعة وأخذ تحولاً آخر .