آخر تحديث :السبت-05 يوليو 2025-12:16م

من هو الضيف المعاق ؟

السبت - 10 سبتمبر 2022 - الساعة 01:34 م
د. سعيد سالم الحرباجي

بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب


ربما يتبادر إلى ذهن القارئ أن المعني هنا بالضيف .. هو الضيف المتعارف عليه , هو ذلك الوافد علينا كزائر عزيز ,,
لكن في الحقيقة أنني لا أقصد ذلك كلا وحاشا ,,

فضيفي المعاق الذي أقصده هنا ...هو ذلك الإنسان ( صغير أو كبير ) الذي يتعامل في منزله كأنما هو  ضيف عزيز  على 
مضيفيهِ ينتظر منهم أن يقدموا له كلما يلزم من مأكل وملبس ومشرب ومأوى  وغيرها , ويخدمونه بكل أنواع الخدمة وهو لا يحرك ساكناً ...

ذلك هو  ضيفي الذي أريد أن أحدثكم عنه .

أجل هو ذاك بعينه الذي أقصده ...

وهو ذلك الضيف المعاق حقاً..

وهذا هو حال الكثيرين منا اليوم في منازلهم إلا ما ندر ,,

فترى رب  الأسرة, يتعامل في منزله كأنه ضيف وليس من أهل البيت ..
فإذا ما أكل ترك أوعية الطعام ومخلفاته ونفض يديه وولى وكأنَّ أمر النظافة لا تهمه ولا تعنيه ...لأن هناك خادمة في البيت اسمها ( زوجة , أو أم , أو أخت , أو إبنة ) هي من يقع عليها تنظيف مخلفات طعامه , بل هي من يجب عليها أن تفعل ذلك ولو كانت وحيدة البيت , ولو كانت مجهدة , متعبة , مرهقة !!
وهكذا هو حاله في غرفة نومه , وملابسه , وجميع أغراضه .

فإذا ما خلف أولاداً رضعوا من ذلك الثدي , وارتشفوا من نفس الكأس , وتطبعوا من ذلك السلوك ..
حتى أصبحت تلك السلوكيات الخرقاء جزءاً من  ثقافتهم يتحتم عليهم نقلها جيلاً بعد جيل ..لينشأ جيل معاقاً حقاً !!

وهكذا تصبح تلك الثقافة الخاطئة هي الأصل , وهي الفصل , ويصبح من يحرص على كسرها وتجاوزها , هو صاحب السلوك الشاذ وهو الرجل المسكين , وهو من تحكمه النساء وهلم جرا من تلك الألقاب البذيئة ...

وهذا يدل دلالة واضحة على الفهم الخاطئ للحياة الزوجية , للأسر المثالية , وللبيوتات النموذجية ..

فهل هناك من هو أطهر , وأشرف , وأعظم , وأسمى على وجه الأرض ...من محمد بن عبدالله ..

كلا وألف كلا ,,
فهو خير إنسان , وأطهر مخلوق , وأشرف بشرا,  وأعظم من وطئت قدماه  الثراء,,,

ومع ذلك تحدثنا الأخبار المتواترة الصحيحة في كتب السنة أنَّه كان في بيته يقوم بخدمة أهله ...
وهو من رفع شعار ( اخدم نفسك بنفسك )  فكان يخصف نعله , ويرقع ثوبه , ويذبح شاته , وما ضربت يداه امرأة ولا خادماً قط ...

حتى في أدق المواقف وأصعب اللحظات التي تُسْتَفَزُ فيها المشاعر ...

روت أمنا زينب أنها أهدت للنبي طبقاً من طعام وكان في بيت السيدة عائشة , فلما رأته ضربت بيدها الطبق فتكسر نصفين وتناثر الطعام في حجرتها .. فتبسم الحبيب وقال : غارت أمكم عائشة !!

يا لعظمة خلقك يا رسول الله...
ويالنبل طباعك , ويالسعة صدرك يارحيم !!

فهل لك أن تتأمل معي بنفسك ذلك المشهد أيها القارئ الكريم ؟

لك أن تتخيل أن تأتي زوجتك وفي يديك. طبق من طعام وفي ساعة غضب تقوم بضربه بيدها وتكسر الإناء ويتطاير الطعام بين يديك..
كيف سيكون تصرفك معها ؟

الواحد منا يقف بصدق مع نفسه في موقف كهذا ...
ماهي ردة فعله ؟

الكثير منا سيقيم الدنيا ولا يقعدها ...
هذا إذا لم يتصرف تصرفات خرقاء غير لائقة ...

لكن المعلم عليه السلام لم تهتز له شعرة , ولم تنبس شفتاه بلفظة غير لائقة , ولم يتصرف تصرف الحمقاء ...
كلما فعله أنه تبسم وقال :
غارت أمكم ,,

يالخلقك العظيم يا حبيب الله !!

كان عليه السلام يفترش الأرض ويمد ظهره ليمتطي الحسن والحسين على ظهره ويسير بهما كما تسير الدابة وهو يقول :
( نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما ) وهما يتضاحكان ..

هكذا يشيع الحب في بيوته , ومع أهله, ومع أطفاله ..

وهكذا تبنى البيوت النموذجية , والأسر المثالية ..
وبهكذا تملأ السعادة جوانح المنزل , ويرفرف الحب على أركانه , ويملأ الحبور والهناء كل زواياه ..

فمتى يفطن الاباء أنَّ مسؤولية البيت مسؤولية مشتركة يتقاسمها الجميع, وتقع على عاتق الكل , ويتحمل نتائج المجموع..

ليس هناك في البيت سيد وعبد , وعسكري وضابط , ومسؤول وعامل ...

أي نعم هناك ضوابط , وهناك قيم , وهناك حدود , وهناك مقامات يجب أن تحترم...

ولكن كل ذلك مرهون بمدى  قدرة ربان السفينة على  قيادة سفينته ...
فمثل تلك السلوكيات الراقية , والقيم الرائعة بحاجة إلى أن تُغرس في نفوس الاطفال , ويُنشؤون عليها .

ولنجاحها تحتاج أن يتعاون جميع أفراد الأسرة 
بدءاً بالزوج والزوجة, والأطفال ذكور وإناث .