آخر تحديث :الجمعة-20 يونيو 2025-07:43م

على الجنوبيين أن يستفيدوا من تاريخهم لا أن يخافوا من استعراضه

الإثنين - 22 أغسطس 2022 - الساعة 03:03 م
عبدالحكيم الجابري

بقلم: عبدالحكيم الجابري
- ارشيف الكاتب


للتاريخ عبر، يموج بصفحات متتالية، في كثير من أحوال الشعوب والأمم لا يمكن لغير المنتصر كتابته، وان كان هناك من يلجأ لتزييفه في محاولة ليعيد أمجادا توارت بعد الغصب.. فالمؤكد ان التاريخ حمال أوجه، يؤثثه من يريد بعبارات التمجيد، ويصنعه أيضا من تهزمه الأحداث ليكون هو في المستقبل. يوجد في كل زمان من يحاول أن يعيد احياء ثقافة مضت، مستخدما التاريخ وأحداثه، مضيفا عليها أساليب التسييس ليحقق مصالح في الواقع.

وهناك من يخاف من استعراض التاريخ وقرائته، بحجة ان استعادة التاريخ فيه ضرر، بحيث انها قد تؤدي الى احياء وتأجيج صراعات قد مضت، ولكن أهمية استدعاء التاريخ واستعراضه، يفسره بيت القامة الأدبية العربية الخالدة أحمد شوقي، الذي قال:
*اقرأ التاريخ اذ فيه العبر* 
ضاع قوم ليس يدرون الخبر

ان استعراض التاريخ وقرائته، لا تعني العودة الى الماضي بأحداثه وشخوصه، انما هي عملية فهم للماضي، بحيث نستضيئ بأحداث ووقائع الماضي لما نحن عليه في الحاضر، ومن ثم نستشرف المستقبل بناءا على مانحن فيه من الحاضر، ومسألة قراءة التاريخ ودراسته واستعراضه والبحث فيه مسألة جد مهمه، وقد وعتها كثير من الأمم، ووعاها كثير من القادة والزعماء والساسة والحكام في العالم، فعندما تحدث واقعة في الحاضر يذهبون للبحث في جذور هذه الواقعة، يسألون ماهي جذورها وأسبابها وعللها ويرجعون اليها، تماما مثلما يفعل الطبيب بأن يبحث في تاريخ مرض المريض.

ان فهمنا للماضي يجعلنا نفهم اسباب مشاكلنا في الحاضر، ويساعدنا ذلك على استشراف المستقبل. فاستعراض التاريخ والبحث فيه ودراسته لايؤجج الصراعات، انما تشويه التاريخ وتزييفه وتزويره هو الذي يؤجج الصراعات ويحييها، لذا لا خوف من اسنعادة ملفات الماضي، ووضعها على طاولات البحث والدراسة، دون تحسس أو تدليس أو تزوير وتزييف لأحداثه.

ما يدفعني للدعوة الى عدم التخوف أو التحسس من استعراض التاريخ، أو محاولات دفن الماضي بكل سلبياته وايجابياته، هو ما لاحظته من حالات انزعاج وغضب تنتاب البعض من الجنوبيين، خاصة من طيف سياسي أو مناطقي محددين، عند كل محاولة لاستعراض التاريخ السياسي للأنظمة السياسية المتعاقبة في الجنوب، حيث يستبقون كل لقاء أو برنامج أو حديث، بموجة غير منطقية من الاتهامات والتشكيك في من سيفعل ذلك، ويلحقونها بموجة أعنف عقب الحديث عن أو البرنامج، وآخر مثال في ذلك، ماتعرض له الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق، علي ناصر محمد، الذي أطل من شاشة قناة الجزيرة الفضائية، مساء الجمعة 19 اغسطس 2022، في برنامج "المتحري"، الذي كان مخصصا لأحداث 13 يناير 1986، في العاصمة عدن، التي ظلت كثير من تفاصيلها مخفية.

على الرغم من أن الرئيس علي ناصر محمد، بدى رصينا ومتزنا وبعيدا عن الشطحات، وهي عادة يتبعها من يريد تبرأة نفسه من الجريمة، الا انه اعترف بشكل مباشر وغير مباشر، بأنه طرف أساسي وفاعل في تلك المأساة، التي ستظل وصمة عار في جبين البشرية، وليس في جبين حكام تلك الحقبة السياسية السوداء فقط، الأمر الذي يؤكد ان لا مبرر للخوف من الحديث في التاريخ، واستعراض أحداثه بحلوها ومرها، كما ان كل المتحدثين في البرنامج المذكور، حرموا عشاق المآتم، من ممارسة هوايتهم في اللطم والنياحة.

نكرر مرات ومرات، ان لا خوف من استعراض التاريخ والحديث عنه وعن وقائعه، بل يجب أن يطرح بشكل يرتبط فيه بالواقع، مالم فانه لن يكون أكثر من هراء لا طائل منه، فان لم يكن استعراض التاريخ وقرائته مرتبطا بحاضرنا فانه لا يعنينا كأجيال لاحقة، بمعنى، يجب أن يستخلص من التاريخ فوائد، منها فوائد في الجوانب السياسية والدينية والاجتماعية والتربوية والادارية والأخلاقية وغيرها.

ان الاستفادة من التاريخ تكمن في استخلاص الدروس والعبر، لتكون عظة واعتبار، وهذا منهج قرإني عظيم، الله سبجانه وتعالى عندما يقص علينا في كتابه العزيز عدد من القصص لأقوام خلت منذ مئات بل آلاف السنين، ليس بغرض استعراض حكايات تحكى، انما للفائدة والعبرة والعظة، وتشمل جميع الجوانب التي تفيد الناس في تقوية ايمانهم وصلتهم بخالقهم، وكذلك لتحسين جودة حياتهم في الحاضر والمستقبل.

ليس الجنوبيين فقط، انما كل اليمنيين لا يجب عليكم التحسس أو الغضب من استعادة واستعراض التاريخ، وان حملت بعض صفحاته آلام وأوجاع، فهي مسألة ايجابية ان رمتم الخلاص من كثير من مشاكلكم ومآسيكم، فأنتم ووطنكم اليوم تعيشون مرحلة هي الأصعب في تقديري، وأنتم في أمس الحاجة لمعرفة جذور مشاكلكم وأسبابها، اعتبروا أنفسكم جسد يعاني صاحبه من مرض، وذهب للطبيب ينشد العلاج من آلامه وأتعابه، فان أول ما يفعله الطبيب هو السؤال عن تاريخ المرض، متى كانت بداياته، ومراحل تطوره مع الوقت، لأنه بناءا على معرفة تاريخ المرض ومراحله، سيبني الطبيب قراره عن تشخيص المرض بدقه، ومن ثم يصرف الدواء المناسب لعلاجه.

ولهذا ان أردتم علاج مشاكلكم وعدم تكرارها، فما عليكم الا التعرف على تاريخ مشاكلكم السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والادارية، والاقرار بها ومحاولة الاستفادة والاتعاظ من دروسها، لأن في ذلك فائدة عظيمة في تجنب العودة اليها وتكرارها، خاصة وان هناك مايؤكد ان كثير من الأحداث باتت تكرر نفسها، والخوف كل الخوف من أن تكون أكثر عنفا ومأساة من ذي قبل، ان لم يستفاد من التاريخ وأحداثه المأساوية.