بعد دخول الإنجليز إلى (عدن) في يناير 1839م كان لزاماً على هذه القوات إيجاد طريقة تواصل بين هذه المدينة الجديدة التي دخلوها وبين حكومة بومباي – والتي كانت عدن تتبعها مباشرة آنذاك تحت ما يسمى مستعمرات الهند البريطانية ، مما جعل إنشاء مكتب للبريد من أولويات المرحلة في وقتها .. فأُفـتُـتِـحَ أول مكتب بريد في الجزيرة والخليج وكان في نفس العام عندما أنشئ هذا الموقع في منطقة كريتر في يناير من نفس العام أيضاً !!
يقول الأستاذ/ بلال غانم في بحث مطـوَّل نُـشِـرَ في موقع ( عدن الغد ) الالكتروني :
وفي تلك الفترة لم يكن هناك مكتب للبريد في التواهي ، لذا وفي العام 1855م ، أرسل العميد كوجلان، المندوب السياسي بالنيابة في عدن ، رسالة طويلة إلى حكومة بومباي يسرد فيها الحاجة الماسة التي يتطلبها إعادة الترتيب في النظام البريدي وفتح مكتب بريد في التواهي . كانت المشكلة الأساسية هي أن موقع البريد الحالي في منطقة كريتر غير مناسب ، ويجب أن يكون في منطقة التواهي ، لأن إرسال البريد القادم بواسطة السفن البخارية إلى التواهي ثم إرسالها إلى كريتر لغرض الفرز يأخذ الكثير من الوقت ، حيث كان النظام في تلك الفترة هو أن يرسل برج الإشارة في التواهي إشارة ضوئية إلى كريتر يخبرهم بوصول السفن البخارية المحملة بالبريد إلى الميناء ، فترسل ( الجِـمال ) مع الكاتب والساعي من عدن إلى التواهي لاستلام البريد ، وإعادتها إلى بريد كريتر للفرز ، حيث كانت المسافة تستغرق حوالي خمسة أميال .
وفي عام 1858م انتقل مكتب البريد الرئيسي إلى منطقة التواهي والذي تم بناؤه من الطين ، ونظراً للنمو السريع في الخدمات البريدية كانت الحاجة ملحة لبناء مركز أكبر ومتطور عن المبنى الطيني الذي تم بناؤه ، الأمر الذي دعى المندوب السامي البريطاني للضغط على حكومة بومباي لبناء المبنى الجديد في التواهي والذي أفتتح رسمياً في 31 مارس 1868م والذي أصبح بعدها هو المكتب الرئيسي للبريد في عدن بعد أن أستلم الخدمة من مكتب بريد كريتر .
(مكتب بريد التواهي قديماً)
وفي عام 1869م تم استبدال الخيول بدلاً عن الجِـمـال لتسريع خدمات البريد بين التواهي وكريتر ، وفي أغسطس 1876م أرسلت إدارة بريد بومباي عربتي نقل لزيادة تسريع نقل البريد خاصة بعد أن أصبحت عدن في تلك الحقبة محطة هامة لتبادل الرسائل لمعظم الدول التي تَمُـرُّ سفنها عبر البحر الأحمر إلى المحيط الهندي والشرق الأقصى ، حيث كان هناك تبادل بريدي بين عدن والهند ، وبين عدن وزنجبار .
كما كانت هناك سفينة بخارية تنقل البريد من وإلى بريطانيا ، حيث كانت تجمع الرسائل من بريطانيا ، الهند ، الصين واستراليا لتصل إلى عدن من جهة الغرب في يومي الأربعاء أو الخميس . والبريد الذي كان يُجمَع من الشرق يصل عادة إلى الميناء يومي الاثنين أو الثلاثاء . وكانت هذه السفن البخارية تتوقف في الميناء لمدة ست ساعات . كما كان هناك بريد يصل بواسطة السفينة البخارية والتي تسمى ( الأنجلو هندية ) من كراتشي ، والخليج الفارسي إلى عدن مرة واحدة كل شهر .
ويضيف الأستاذ / بلال : نظراً لتوسع النشاط البريدي في عدن ، فُـتِحَتْ عدة فروع للمكتب الرئيسي ، حيث تم افتتاح فرع الشيخ عثمان في العام 1891م ، وخورمكسر في العام 1892م ، والضالع في العام 1903 – 1907م ، وفرع المعلا في العام 1922م ، والذي كان موقعه في محطة القطار في المعلا ، لكنه أُغلِق بعد سبع سنوات في نفس الفترة التي أُغلِـقَـتْ فيه السكة الحديدية وكان ذلك في العام 1929م ، وبعد عشرون عاماً وبالتحديد في العام 1949م أفتتح المكتب الجديد في المعلا مرة أخرى .
الطوابع البريدية :
في 6 يونيو 1854م أرسل مكتب بومباي الرئيسي للطوابع ما مجموعه 4800 طابع بريدي من فئة نصف عانة ، وعانة ، لإستخدامه في عدن ، وبهذا أصبح الأول من أكتوبر 1854م هو التاريخ الرسمي الذي تم فيه إستخدام طوابع بريدية لأول مرة في عدن ، وبعدها توالى وصول الطوابع البريدية من الفئات الأخرى إلى عدن وتم إستخدامها حتى 31 مارس 1937م ..
وقد استمر إصدار الطوابع البريدية في المراحل التالية لذلك وخاصة بعد انتهاء فترة الوجود الإنجليزي في عدن ، وكانت تستعمل إلى جانب وظيفتها البريدية كجانب إعلامي وثقافي وتوثيقي أيضاً للعديد من الأحداث والمناسبات الوطنية والعربية والدولية وكان ذلك حتى وقت قريب جداً. وتجدني – اخي القارئ الكريم – أضيف ملاحظة بسيطة لزيادة المعرفة فقط عن هذا الموضوع ، ففي منطقة التواهي في مدينة عدن ، توجد أول مكتبة تخصصت في بيع الطوابع البريدية وهي ( مكتبة عزيز ) والتي تأسست عام 1946م وتحوي أقدم مجموعة طوابع بريدية لعدن ، والإصدارات البريدية منذ تلك الفترة وحتى وقت قريب ، وتكاد تكون هي المكتبة الوحيدة المتميزة بذلك على طول ساحة الوطن بل وحتى الجزيرة والخليج .
وكم أتمنى أن يساعدنا الحظ لوجود متسع من مساحة ، لعرض بعض الطوابع القديمة لعدن وبعض من الصور التاريخية لمراكز البريد القديمة في عدن .. متمنياً من جهات الإختصاص المساهمة في توثيق هذا التاريخ العريق لهذه المدينة الهامة والتي أنطلقتْ منها كل البدايات الأولى للحضارة الحديثة في عموم الوطن .