لا تغتر بالعدد ولا بالكثرة ؛ فإن للحياة وجوه وللناس اقنعة ، أقنعة تبهر الأبصار فتصيب نورها بالعمى ، وأقنعة تخطف القلوب فتصيب صفائها بالكدر ، وأقنعة تؤسر العقول فتصيب رجحانها بالغباء ، ولكن حينما تسقط هذه الأقنعة تنكشف الحقيقة ، وتتبدد الأحوال ، ترى وجوها عليها غبرة ، ترهقها قترة ، تحاول بكل خبث أن تتغلغل بين أفراد المجتمع الواحد بصورتها السيئة القبيحة فلا تجد إلا الطرد والإبعاد ، فالمتلونون بألوان الأقنعة العمياء يصعب العيش معهم ، وكيف يمكن أن يكون التآلف والوداد والتقارب مع إنسان كنت تظن أنه الدواء الشافي لجرحك العليل ، وصرحك العالي في بنيانك الشامخ ، وحلمك الوردي لأملك ومستقبل طموحاتك ، وإذا به بين غمضة عين وانتبا تها يهوى أمامك ؛ وتنكشف حقيقته عند سقوط قناعه المختبئ خلفه ، والمستتر وراء ظله .
تسقط الأقنعة حينما يهجوك اللسان الذي كنت تظن أنه لسانك ، وتسقط حينما تصفعك اليد التي كنت تنتظر أن تمد لك بالعطاء ، وتسقط حينما تركلك القدم التي كنت أنها معينك على نوائب الدهر ، وتسقط الثقة التي منحتها لمن كنت ترى الدنيا به .
لا يزال الكثير يحاول ان يخفي شخصيته خلف مئات الأقنعة ، أقنعة المجاملات ، وأقنعة التقاليد الاجتماعية بين نفاق كاذب ، وتقليد اعمى لذا فإن كل الأقنعة تسقط عندما تنتهي المصالح ، ولكن الدنيا تدور والوجوه التي انغدر بها تتقابل من جديد في ظروف مختلفة عما سبق عندئذ لن يكون وقت كاف لارتداء أقنعة جديدة .
ان الثقة العمياء خصوصا في اول لقاء تنخدع بأبسط العبارات ، لذت غالبا خلف كل وجه عدة وجوه وخلف كل موقف الآلاف المواقف .
قال لويجي بيرانديلو : في هذه الرحلة الطويلة من الحياة ، سوف تواجه الكثير من الأقنعة والقليل من الوجوه .