مازالت الأحزاب والقوى السياسية اليمنية بعيدة عن السياسة بوصفها فن الممكن وفن التعايش وفن التشارك والتقاسم. ولكي نقترب من هذه الأحزاب علينا أن نحدق بعيون مفتوحة.
لم تعد مأساة اليمن في الدمار الذي أصاب البشر والحجر فحسب، بل امتد ذلك إلى أجيال المستقبل. وليست المشكلة أيضا في ملايين الأطفال الذين يقبعون خارج أسوار المدرسة بل يمتد أيضا إلى أولئك الأطفال الذين يتمزقون حسب سيطرة المليشيات هنا وهناك. توقعوا مثلا كيف يفكر الأطفال الذين لا يسمعون الا القتل والدمار فقط.
هذا الحال يقدم نموذجا مرعبا ومخيفا لحال الجيل الذي من المفترض أنه جيل المستقبل. الحرب الدائرة اليوم في اليمن لم تقسم البلاد بين الأخوة الأعداء فحسب، بل قسمت المجتمع والأطفال ووزعتهم بين الأطراف. لم تقسم الأرض وحدها التي سيطر عليها الثأر والحقد والعنف والكراهية والتطرف، بل أيضا قسمت العقول.
المؤسف أننا لسنا أمام جيل يمني واحد بل أمام أجيال ستحكم علاقاتها مستقبلا الأفكار التي زرعت في عقولها كل حسب الطرف الذي ينتمي إليه. كثير من هؤلاء الأطفال سيترسخ في عقولهم صور الحطام وأشلاء القتلى وأزيز الطائرات وزمجرة المدافع وقهقهة البنادق وسيلتصق كل ذلك بالأفكار التي زرعت في وجدانهم. وكلما استمرت هذه الحرب الملعونة سيتحول معظم هؤلاء الأطفال إلى مقاتلين مع هذا الطرف أو ذاك. سيتسرب الشرخ المناطقي والطائفي إلى عقول الأطفال.
ألم يحن الوقت إلى تحويل مأساتنا الدامية هذه إلى مصالحة وإلى سلام؟ لماذا يصر كل طرف على وضع الأقنعة وتمثيل أدوار الوطنية والتغني بالوطنية والوطنية منهم براء، فلماذا كل هذا الارتماء في حضن الآخر والابتعاد عن حضن اليمن؟ لماذا نعمل دوما ضد مصلحة اليمن؟ على كثرة الندوات والمؤتمرات والتصريحات الإعلامية لا نسمع عن دعوة حقيقية لوقف الحرب ومد يد المصالحة بقدر ما نسمع عن الدعوة لاستمرار الحرب وتسعيرها. الأحزاب والقوى السياسية في اليمن يعرفون مالا يريدون وهدم مالا يبغونه.
السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى سيبقى هذا الشعب يدفع دمه وأمنه ومستقبله دفاعا عن مليشيات مناطقية ومذهبية؟ نسينا الوطن والمواطن ورحنا نتحارب باسم الشرعية والانقلاب. هل آن الأوان لنقول بصوت واحد يكفي حرب.